الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 498 ] غزوة الرجيع

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الواقدي : وكانت في صفر - يعني سنة أربع - بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ليخبروه . قال : والرجيع على سبعة أميال من عسفان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البخاري : حدثني إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام بن يوسف ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عمرو بن أبي سفيان الثقفي ، عن أبي هريرة ، قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عينا ، وأمر عليهم عاصم بن ثابت ، وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب ، فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم : بنو لحيان . فتبعوهم بقريب من مائة رام ، فاقتصوا آثارهم ، حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة فقالوا : هذا تمر يثرب . فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم ، فلما انتهى عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد ، وجاء القوم فأحاطوا بهم ، فقالوا : لكم العهد والميثاق إن نزلتم [ ص: 499 ] إلينا ; ألا نقتل منكم رجلا . فقال عاصم : أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر ، اللهم أخبر عنا رسولك . فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل ، وبقي خبيب ، وزيد ورجل آخر ، فأعطوهم العهد والميثاق ، فلما أعطوهم العهد والميثاق ، نزلوا إليهم ، فلما استمكنوا منهم ، حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها ، فقال الرجل الثالث الذي معهما : هذا أول الغدر . فأبى أن يصحبهم ، فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل ، فقتلوه ، وانطلقوا بخبيب ، وزيد حتى باعوهما بمكة فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر فمكث عندهم أسيرا ، حتى إذا أجمعوا قتله ، استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها فأعارته . قالت : فغفلت عن صبي لي ، فدرج إليه حتى أتاه ، فوضعه على فخذه ، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذلك مني ، وفي يده الموسى ، فقال أتخشين أن أقتله ؟ ما كنت لأفعل ذاك إن شاء الله . وكانت تقول : ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب ، لقد رأيته يأكل من قطف عنب ، وما بمكة يومئذ من ثمره ، وإنه لموثق في الحديد ، وما كان إلا رزقا رزقه الله . فخرجوا به من الحرم ليقتلوه ، فقال : دعوني أصلي ركعتين . ثم انصرف إليهم فقال : لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت . فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو ، ثم قال : اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا . ثم قال : [ ص: 500 ]


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان في الله مصرعي     وذلك في ذات الإله وإن يشأ
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يبارك على أوصال شلو ممزع



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله ، وبعثت قريش إلى عاصم ; ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه ، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر ، فحمته من رسلهم ، فلم يقدروا منه على شيء


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، سمع جابر بن عبد الله يقول : الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة . قلت : واسمه عقبة بن الحارث ، وقد أسلم بعد ذلك ، وله حديث في الرضاع ، وقد قيل إن أبا سروعة ، وعقبة أخوان . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هكذا ساق البخاري في كتاب المغازي من " صحيحه " قصة أصحاب [ ص: 501 ] الرجيع ورواه أيضا في التوحيد وفي الجهاد ، من طرق ، عن الزهري ، عن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة ومنهم من يقول : عمر بن أبي سفيان . والمشهور عمرو . وفي لفظ للبخاري : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عينا ، وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وساق نحوه . وقد خالفه محمد بن إسحاق ، وموسى بن عقبة ، وعروة بن الزبير في بعض ذلك ، ولنذكر كلام ابن إسحاق ; ليعرف ما بينهما من التفاوت والاختلاف ، على أن ابن إسحاق إمام في هذا الشأن ، وغير مدافع ، كما قال الشافعي رحمه الله : من أراد المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد بن إسحاق رحمه الله : حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة ، فقالوا : [ ص: 502 ] يا رسول الله ، إن فينا إسلاما ، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين ، ويقرئوننا القرآن ، ويعلموننا شرائع الإسلام . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم نفرا ستة من أصحابه وهم : مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب - قال ابن إسحاق : وهو أمير القوم - وخالد بن البكير الليثي حليف بني عدي وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أخو بني عمرو بن عوف ، وخبيب بن عدي أخو بني جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف وزيد بن الدثنة أخو بني بياضة بن عامر وعبد الله بن طارق حليف بني ظفر . رضي الله عنهم . هكذا قال ابن إسحاق أنهم كانوا ستة ، وكذا ذكر موسى بن عقبة ، وسماهم كما قال ابن إسحاق وعند البخاري أنهم كانوا عشرة ، وعنده أن كبيرهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : فخرجوا مع القوم ، حتى إذا كانوا على الرجيع - ماء لهذيل بناحية الحجاز من صدور الهدأة - غدروا بهم ، فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم - وهم في رحالهم - إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم ، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا القوم ، فقالوا لهم : إنا والله ما نريد قتلكم ، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم . فأما مرثد ، وخالد بن البكير ، وعاصم بن ثابت فقالوا : والله لا نقبل من [ ص: 503 ] مشرك عهدا ولا عقدا أبدا . وقال عاصم بن ثابت : والله أعلم ولله الحمد والمنة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما علتي وأنا جلد نابل     والقوس فيها وتر عنابل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تزل عن صفحتها المعابل     الموت حق والحياة باطل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكل ما حم الإله نازل     بالمرء والمرء إليه آيل


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن لم أقاتلكم فأمي هابل



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال عاصم أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو سليمان وريش المقعد     وضالة مثل الجحيم الموقد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا النواحي افترشت لم أرعد     ومجنأ من جلد ثور أجرد [ ص: 504 ]


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومؤمن بما على محمد



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو سليمان ومثلي رامى     وكان قومي معشرا كراما



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : ثم قاتل حتى قتل ، وقتل صاحباه ، فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ; ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد ؛ لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر ، فمنعته الدبر - هكذا ذكره البخاري بعد وصول خبيب ، وزيد بن الدثنة إلى مكة . وهذا الذي ذكره ابن إسحاق أنسب - قال : فلما حالت بينهم وبينه قالوا : دعوه حتى يمسي فتذهب عنه فنأخذه . فبعث الله الوادي ، فاحتمل عاصما فذهب به ، وقد كان عاصم قد أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ، ولا يمس مشركا أبدا ; تنجسا ، فكان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه أن الدبر منعته : يحفظ الله العبد المؤمن ، كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ، ولا يمس مشركا أبدا في حياته ، فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته . [ ص: 505 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وأما خبيب ، وزيد بن الدثنة ، وعبد الله بن طارق فلانوا ورقوا ورغبوا في الحياة ، وأعطوا بأيديهم فأسروهم ، ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها ، حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران ، ثم أخذ سيفه ، واستأخر عنه القوم ، فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، فقبره بالظهران وأما خبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة . قال ابن هشام : فباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : فابتاع خبيبا ، حجير بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل ، وكان أبو إهاب أخا الحارث بن عامر لأمه ; ليقتله بأبيه . قال : وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ، ; ليقتله بأبيه ، فبعثه مع مولى له يقال له : نسطاس . إلى التنعيم ، وأخرجه من الحرم ليقتله ، واجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل : أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمدا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه ، وأنك في أهلك ؟ قال : والله ما أحب أن محمدا الآن في [ ص: 506 ] مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي . قال : يقول أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا . قال : ثم قتله نسطاس . قال : وأما خبيب بن عدي ، فحدثني عبد الله بن أبي نجيح أنه حدث عن ماوية مولاة حجير بن أبي إهاب ، وكانت قد أسلمت ، قالت : كان خبيب عندي ، حبس في بيتي ، فلقد اطلعت عليه يوما ، وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه ، وما أعلم في أرض الله عنبا يؤكل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، وعبد الله بن أبي نجيح أنهما قالا : قالت : قال لي حين حضره القتل : ابعثي إلي بحديدة أتطهر بها للقتل . قالت : فأعطيت غلاما من الحي الموسى ، فقلت له : ادخل بها على هذا الرجل البيت . قالت : فوالله إن هو إلا أن ولى الغلام بها إليه ، فقلت : ماذا صنعت ؟ أصاب والله الرجل ثأره بقتل هذا الغلام ، فيكون رجلا برجل . فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ، ثم قال : لعمرك ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي . ثم خلى سبيله . قال ابن هشام ويقال : أن الغلام ابنها . [ ص: 507 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : قال عاصم : ثم خرجوا بخبيب حتى جاءوا به إلى التنعيم ليصلبوه ، وقال لهم : إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا . قالوا : دونك فاركع . فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما ، ثم أقبل على القوم فقال : أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعا من القتل ، لاستكثرت من الصلاة . قال : فكان خبيب أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : ثم رفعوه على خشبة ، فلما أوثقوه قال : اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك ، فبلغه الغداة ما يصنع بنا . ثم قال : اللهم احصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا . ثم قتلوه . وكان معاوية بن أبي سفيان يقول : حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب وكانوا يقولون : إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه ، زلت عنه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فائدة : قال السهيلي : وإنما صارت الركعتان سنة - يعني عند القتل - لأنها فعلت في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقر عليها ، واستحسنت من صنيعه . قال : وقد صلاها زيد بن حارثة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم . ثم ساق بإسناده من طريق أبي بكر بن أبي خيثمة ، عن يحيى بن معين ، عن يحيى بن عبد الله بن بكير [ ص: 508 ] عن الليث بن سعد قال : بلغني أن زيد بن حارثة استأجر من رجل بغلا من الطائف واشترط عليه المكري أن ينزله حيث شاء ، فمال به إلى خربة ، فإذا بها قتلى كثيرة ، فلما هم بقتله قال له زيد : دعني حتى أصلي ركعتين . فقال : صل ركعتين ، لطالما صلى هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئا . قال : فصليت ثم جاء ليقتلني ، فقلت : يا أرحم الراحمين . فإذا صارخ يقول : لا تقتله . فهاب وذهب ينظر ، فلم ير شيئا ، ثم جاء ليقتلني فقلت : يا أرحم الراحمين . فسمع أيضا الصوت يقول : لا تقتله . فذهب لينظر ثم جاء فقلت : يا أرحم الراحمين . فإذا أنا بفارس على فرس ، في يده حربة في رأسها شعلة من نار ، فطعنه بها حتى أنفذه فوقع ميتا . ثم قال : لما دعوت الله في المرة الأولى كنت في السماء السابعة ، ولما دعوته في المرة الثانية كنت في السماء الدنيا ، ولما دعوته في الثالثة أتيتك . قال السهيلي : وقد صلاها حجر بن عدي بن الأدبر حين حمل إلى معاوية من العراق ومعه كتاب زياد بن أبيه ، وفيه أنه خرج عليه وأراد خلعه ، وفي الكتاب شهادة جماعة من التابعين ، منهم الحسن ، وابن سيرين فلما دخل على معاوية قال : السلام عليكم يا أمير المؤمنين . قال : أوأنا أمير المؤمنين ؟ وأمر بقتله ، فصلى ركعتين قبل قتله ، رحمه الله . قال : وقد عاتبت عائشة معاوية في قتله ، فقال : إنما قتله من شهد عليه . ثم قال : دعيني وحجرا ، فإني سألقاه على الجادة يوم القيامة . قالت : فأين ذهب عنك حلم أبي [ ص: 509 ] سفيان ؟ قال : حين غاب عني مثلك من قومي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي مغازي موسى بن عقبة : أن خبيبا ، وزيد بن الدثنة قتلا في يوم واحد ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع يوم قتلا وهو يقول : " وعليكما - أو عليك - السلام خبيب قتلته قريش " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر أنهم لما صلبوا زيد بن الدثنة رموه بالنبل ليفتنوه عن دينه ، فما زاده إلا إيمانا وتسليما . وذكر عروة ، وموسى بن عقبة أنهم لما رفعوا خبيبا على الخشبة ، نادوه يناشدونه : أتحب أن محمدا مكانك ؟ قال : لا والله العظيم ، ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدمه . فضحكوا منه . وهذا ذكره ابن إسحاق في قصة زيد بن الدثنة ، فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال موسى بن عقبة : زعموا أن عمرو بن أمية دفن خبيبا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن عقبة بن الحارث قال : سمعته يقول : والله ما أنا قتلت خبيبا ; لأني كنت أصغر من ذلك ، ولكن أبا ميسرة أخا بني عبد الدار أخذ الحربة [ ص: 510 ] فجعلها في يدي ، ثم أخذ بيدي وبالحربة ، ثم طعنه بها حتى قتله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أصحابنا قال : كان عمر بن الخطاب استعمل سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي على بعض الشام فكانت تصيبه غشية وهو بين ظهري القوم ، فذكر ذلك لعمر . وقيل : إن الرجل مصاب . فسأله عمر في قدمة قدمها عليه ، فقال : يا سعيد ، ما هذا الذي يصيبك ؟ فقال : والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ، ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين قتل وسمعت دعوته ، فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي علي . فزادته عند عمر خيرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال الأموي : حدثني أبي ، قال : قال ابن إسحاق : وبلغنا أن عمر قال : من سره أن ينظر إلى رجل نسيج وحده فلينظر إلى سعيد بن عامر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام : أقام خبيب في أيديهم حتى انسلخت الأشهر الحرم ثم قتلوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى البيهقي من طريق إبراهيم بن إسماعيل ، حدثني جعفر بن عمرو بن أمية ، عن أبيه ، عن جده عمرو بن أمية ، أن [ ص: 511 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعثه عينا وحده ، قال : جئت إلى خشبة خبيب فرقيت فيها وأنا أتخوف العيون ، فأطلقته فوقع إلى الأرض ثم اقتحمت فانتبذت قليلا ، ثم التفت فلم أر شيئا ، فكأنما ابتلعته الأرض ، فلم تذكر لخبيب رمة حتى الساعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم روى ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد ، أو عكرمة عن ابن عباس قال : لما قتل أصحاب الرجيع قال ناس من المنافقين : يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا ، لا هم أقاموا في أهليهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم . فأنزل الله فيهم : ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام [ البقرة : 204 ] وما بعدها . وأنزل الله في أصحاب السرية : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد [ البقرة : 207 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وكان مما قيل من الشعر في هذه الغزوة قول خبيب حين أجمعوا على قتله - قال ابن هشام : ومن الناس من ينكرها له - : [ ص: 512 ]


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا     قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكلهم مبدي العداوة جاهد     علي لأني في وثاق مضيع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم     وقربت من جذع طويل ممنع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي     وما أرصد الأعداء لي عند مصرعي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فذا العرش صبرني على ما يراد بي     فقد بضعوا لحمي وقد يأس مطمعي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذلك في ذات الإله وإن يشأ     يبارك على أوصال شلو ممزع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد خيروني الكفر والموت دونه     وقد هملت عيناي من غير مجزع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما بي حذار الموت إني لميت     ولكن حذاري جحم نار ملفع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فوالله ما أرجو إذا مت مسلما     على أي جنب كان في الله مضجعي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلست بمبد للعدو تخشعا     ولا جزعا إني إلى الله مرجعي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم في " صحيح البخاري " بيتان من هذه القصيدة ، وهما قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلست أبالي حين أقتل مسلما     على أي شق كان في الله مصرعي [ ص: 513 ]
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذلك في ذات الإله وإن يشأ     يبارك على أوصال شلو ممزع



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال حسان بن ثابت يبكي خبيبا فيما ذكره ابن إسحاق :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما بال عينك لا ترقا مدامعها     سحا على الصدر مثل اللؤلؤ القلق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      على خبيب فتى الفتيان قد علموا     لا فشل حين تلقاه ولا نزق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فاذهب خبيب جزاك الله طيبة     وجنة الخلد عند الحور في الرفق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ماذا تقولون إن قال النبي لكم     حين الملائكة الأبرار في الأفق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيم قتلتم شهيد الله في رجل     طاغ قد اوعث في البلدان والرفق



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام : تركنا بعضها ; لأنه أقذع فيها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال حسان يهجو الذين غدروا بأصحاب الرجيع من بني لحيان فيما ذكره ابن إسحاق :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن سرك الغدر صرفا لا مزاج له     فأت الرجيع فسل عن دار لحيان [ ص: 514 ]
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قوم تواصوا بأكل الجار بينهم     فالكلب والقرد والإنسان مثلان
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لو ينطق التيس يوما قام يخطبهم     وكان ذا شرف فيهم وذا شان



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هذيلا وبني لحيان على غدرهم بأصحاب الرجيع رضي الله عنهم أجمعين :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لعمري لقد شانت هذيل بن مدرك     أحاديث كانت في خبيب ، وعاصم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحاديث لحيان صلوا بقبيحها     ولحيان جرامون شر الجرائم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أناس هم من قومهم في صميمهم     بمنزلة الزمعان دبر القوادم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هم غدروا يوم الرجيع وأسلمت     أمانتهم ذا عفة ومكارم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رسول رسول الله غدرا ولم تكن     هذيل توقى منكرات المحارم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فسوف يرون النصر يوما عليهم     بقتل الذي تحميه دون الحرائم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبابيل دبر شمس دون لحمه     حمت لحم شهاد عظام الملاحم [ ص: 515 ]
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لعل هذيلا أن يروا بمصابه     مصارع قتلى أو مقاما لمأتم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ونوقع فيها وقعة ذات صولة     يوافي بها الركبان أهل المواسم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بأمر رسول الله إن رسوله     رأى رأي ذي حزم بلحيان عالم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قبيلة ليس الوفاء يهمهم     وإن ظلموا لم يدفعوا كف ظالم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا الناس حلوا بالفضاء رأيتهم     بمجرى مسيل الماء بين المخارم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محلهم دار البوار ورأيهم     إذا نابهم أمر كرأي البهائم



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال حسان رضي الله عنه ، أيضا يمدح أصحاب الرجيع ويسميهم في شعره كما ذكره ابن إسحاق رحمه الله تعالى :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صلى الإله على الذين تتابعوا     يوم الرجيع فأكرموا وأثيبوا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رأس السرية مرثد وأميرهم     وابن البكير أمامهم وخبيب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وابن لطارق وابن دثنة منهم     وافاه ثم حمامه المكتوب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والعاصم المقتول عند رجيعهم     كسب المعالي إنه لكسوب [ ص: 516 ]
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      منع المقادة أن ينالوا ظهره     حتى يجالد إنه لنجيب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية