الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ( فصل ) )

( ( في التنبيه على بعض معجزاته - صلى الله عليه وسلم - وهي كثيرة جدا ) ) وتعريف المعجزة : هي اسم فاعل مأخوذة من العجز المقابل للقدرة ، وفي القاموس : معجزة النبي ما أعجز به الخصم عند التحدي ، والهاء للمبالغة . انتهى .

[ ص: 290 ] وقال ابن حمدان في نهاية المبتدئين : المعجزة هي ما خرق العادة من قول أو فعل إذا وافق دعوى الرسالة وقارنها وطابقها على جهة التحدي ابتداء بحيث لا يقدر أحد عليها ولا على مثلها ، ولا على ما يقاربها . وقال الفخر الرازي : المعجزة عرفا أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة . قال العلامة التفتازاني : إنما قال أمر ليتناول الفعل كانفجار الماء من بين أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتناول عدمه أي عدم الفعل كعدم إحراق النار إبراهيم عليه السلام . واحترزوا بقيد المقارنة للتحدي عن كرامات الأولياء ، والعلامات الإرهاصية التي تتقدم البعثة النبوية وعن أن يتخذ الكاذب معجزة من مضى من الأنبياء أو ما تقدم له في السنين الماضية حجة لنفسه ، وبقيد عدم المعارضة عن السحر والشعوذة ، وقول ابن حمدان : ( وطابقها ) ؛ ليخرج ما إذا قال : معجزتي نطق هذا الحجر ، فنطق بأنه كذاب مفتر ، وكما تفل مسيلمة في بئر فغار ماؤها ، ومسح على رأس غلام فصار أقرع ونحو ذلك . إذا عرفت هذا فقد أشار إلى التنبيه على أن معجزات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كثيرة فلا يمكن استقصاء عددها بقوله :


( ( ومعجزات خاتم الأنباء كثيرة تجل عن إحصائي ) )



( ( ومعجزات ) ) جمع معجزة ، وتقدم تعريفها آنفا ( ( خاتم الأنباء ) ) يعني نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - والأنباء جمع نبي ، وتقدم الكلام على كونه خاتم النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ( ( كثيرة ) ) جدا ( ( تجل ) ) أي تعظم وتكبر ( ( عن إحصائي ) ) أي عن عدي وحفظي لكثرة أفرادها ، وتنوعها من الأقوال ، والأفعال التي ما سبقت لمثله من الأنبياء ، ولم يبلغ أحد من الأنبياء من كثرة المعجزات ما بلغه نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهو دليل على مزيد التشريف والتكريم وشدة الاعتناء والاهتمام بشأنه ، والاحتفال بأمر نبوته ، وأيضا لما كان نبينا خاتم النبيين والمرسلين ، وشريعته خاتمة الشرائع أجمعين ناسب كثرة المعجزات ، وترادف الآيات البينات والمعجزات . قال شيخ الإسلام ابن تيمية روح الله روحه في كتابه " الجواب الصحيح " : الآيات والبراهين الدالة على نبوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كثيرة متنوعة ، وهي أكثر وأعظم من آيات غيره من الأنبياء قال : ويسميها [ ص: 291 ] النظار معجزات وتسمى دلائل النبوة وأعلام النبوة ونحو ذلك ، وقال : وهذه الألفاظ إذا سميت بها آيات الأنبياء كانت أدل على المقصود من لفظ المعجزات ، ولهذا لم يكن لفظ المعجزات موجودا في الكتاب ولا في السنة وإنما فيه لفظ الآية والبينة والبرهان ، وأهل الكلام لا يسمون معجزا إلا ما كان للأنبياء فقط ، وأما ما يثبت للأولياء من خرق عادة يسمونها كرامة ، قال : والسلف كالإمام أحمد وغيره كانوا يسمون هذا وهذا معجزا ويقولون لخوارق الأولياء إنها معجزات إذ لم يكن في اللفظ ما يقتضي اختصاص الأنبياء بخلاف ما كان آية وبرهانا على نبوة النبي فإن هذا يجب اختصاصه ، وربما سموا الكرامات آيات لكونها تدل على نبوة من اتبعه الولي ، فإن الدليل يستلزم المدلول فيمتنع ثبوته بدون ثبوت المدلول ، فكذلك ما كان آية وبرهانا وهو الدليل والعلم على نبوة النبي يمتنع أن يكون لغير النبي ، وقد يقال إنهم سموها معجزات لأن كرامات الأولياء دليل على نبوة النبي الذي اتبعوه ، أو لأنها تعجز غيرهم وهي آية على صحة طريقتهم . انتهى .

قال بعض العلماء : معجزات نبينا كثيرة لا تنحصر ، وفي كلام بعضهم أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطي ثلاث آلاف معجزة يعني غير القرآن فإن فيه ستين أو سبعين ألف معجزة تقريبا ولهذا قال :

التالي السابق


الخدمات العلمية