الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان حكم ما يقع عليه الإكراه فنقول - وبالله التوفيق - أما التصرفات الحسية فيتعلق بها حكمان : أحدهما يرجع إلى الآخرة ، والثاني يرجع إلى الدنيا أما الذي يرجع إلى الآخرة فنقول - وبالله التوفيق - .

                                                                                                                                التصرفات الحسية التي يقع عليها الإكراه في حق أحكام الآخرة ثلاثة أنواع : نوع هو مباح ، ونوع هو مرخص ، ونوع هو حرام ليس بمباح ولا مرخص .

                                                                                                                                ( أما ) النوع الذي هو مباح فأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب الخمر إذا كان الإكراه تاما بأن كان بوعيد تلف ; لأن هذه الأشياء مما تباح عند الاضطرار قال الله تبارك وتعالى : { إلا ما اضطررتم إليه } ، أي دعتكم شدة المجاعة إلى أكلها ، والاستثناء من التحريم إباحة وقد تحقق الاضطرار بالإكراه فيباح له التناول بل لا يباح له الامتناع عنه ، ولو امتنع عنه حتى قتل يؤاخذ به كما في حالة المخمصة ; لأنه بالامتناع عنه صار ملقيا نفسه في التهلكة ، والله سبحانه وتعالى نهى عن ذلك بقوله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ، وإن كان الإكراه ناقصا لا يحل له الإقدام عليه ولا يرخص أيضا ; لأنه لا يفعله للضرورة بل لدفع الغم عن نفسه ، فكانت الحرمة بحكمها قائمة ، وكذلك لو كان الإكراه بالإجاعة بأن قال : لتفعلن كذا وإلا لأجيعنك لا يحل له أن يفعل حتى يجيئه من الجوع ما يخاف منه تلف النفس أو العضو ; لأن الضرورة لا تتحقق إلا في تلك الحالة والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية