الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وينقطع ) خيار المجلس ( بالتخاير ) من [ ص: 8 ] العاقدين ( بأن يختارا لزومه ) أي العقد صريحا كتخايرنا وأمضيناه وأجزناه وأبطلنا الخيار وأفسدناه لأنه حقهما فسقط بإسقاطهما ، أو ضمنا بأن يتبايعا العوضين بعد قبضهما في المجلس إذ ذلك متضمن للرضا بلزوم الأول فلا ترد هذه الصورة على مفهوم كلام المصنف ( فلو اختار أحدهما ) لزومه ( سقط حقه وبقي ) الخيار ( للآخر ) كخيار الشرط ، وقول أحدهما اخترت أو خيرتك يقطع خياره لرضاه بلزومه لا خيار المخاطب ما لم يقل اخترت إذ السكوت غير متضمن للرضا ، ولو أجازا في الربوي قبل التقابض بطل وإن تقابضا قبل التفرق على الأصح كما مر في بابه ( و ) ينقطع أيضا بمفارقة متولي طرفي عقد لمجلسه ( وبالتفرق ببدنهما ) ولو من أحدهما ناسيا أو جاهلا لا بروحهما كما يأتي في الموت لخبر البيهقي { البيعان بالخيار حتى يتفرقا من مكانهما } وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا باع قام فمشى هنيهة ثم رجع .

                                                                                                                            لا يقال : قضية ذلك حل الفراق خشية أن يستقيله صاحبه وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه [ ص: 9 ] خشية أن يستقيله } .

                                                                                                                            لأنا نقول : الحل في الخبر محمول على الإباحة المستوية الطرفين ومحل البطلان بما مر عند تفرقهما بالاختيار ، فلو حمل أحدهما مكرها بغير حق بقي خياره وإن لم يسد فمه وكان المبيع ربويا على الأصح لانتفاء فعله لا خيار صاحبه إن لم يتبعه ما لم يمنع من الخروج معه وإلا بقي ، وإن هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر بطل خيارهما مطلقا لتمكن غير الهارب من الفسخ بالقول مع انتفاء العذر ، بخلاف المكره فكأنه لا فعل له ، ويؤخذ من تعليلهم بتمكنه من الفسخ أن غير الهارب لو كان نائما مثلا لم يبطل خياره ويحتمل خلافه ، وعند لحوقه لا بد أن يلحقه قبل انتهائه إلى مسافة يحصل بمثلها المفارقة عادة ، وإلا سقط خياره لحصول التفرق حينئذ كما في البسيط ، ويحمل عليه ما نقله في الكفاية عن القاضي من ضبطه بفوق ما بين الصفين ، ولا يبطل البيع بعزل الموكل وكيله أو انعزاله [ ص: 10 ] في زمن الخيار خلافا للروياني ومن تبعه ، والأوجه أن خيار الشرط في ذلك كخيار المجلس إذ لا فرق بينهما في إلحاق الشروط كما صرحوا به .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وينقطع خيار المجلس بالتخاير ) إلى أن قال وبالتفرق قال الشارح في شرح العباب : وأفهم حصره القاطع فيما ذكر أن ركوب المشتري الدابة المبيعة لا يقطع ، وهو أحد وجهين لاحتمال أن يكون لاختبارها .

                                                                                                                            والثاني ينقطع لتصرفه ، والذي يتجه ترجيحه الأولى : ولا تسلم [ ص: 8 ] أن مثل هذا التصرف يقطعه ويقاس بالمذكور ما في معناه ا هـ سم على حج ( قوله : بأن يتبايعا العوضين ) قضيته أنه لا ينقطع بتبايع أحد العوضين كأن أخذ البائع المبيع من المشتري بغير الثمن الذي قبضه منه ، وقد مر أن تصرف أحد العاقدين مع الآخر إجازة وذلك يقتضي انقطاع الخيار بما ذكر ، فلعل قوله العوضين مجرد تصوير ، وينبغي أن يكون من كناياته أحببت العقد أو كرهته ( قوله : إذ ذاك ) أي التبايع ( قوله على مفهوم كلام المصنف ) وهو قول بالتخاير وبالتفرق ( قوله : وقول أحدهما اخترت ) لو قال أجزت في النصف وفسخت في النصف غلب الفسخ ، قاله القاضي وغيره ، وإن قال أجزت أو فسخت بالتردد أو عكس ذلك عمل بالأول على الأقرب من الاحتمالات ولم أر فيها نقلا ا هـ من شرح العباب سم على حج .

                                                                                                                            وبقي ما لو قال أجزت في النصف أو قال فسخت في النصف وسكت عن النصف الآخر ، والذي يظهر في الثانية أنه ينفسخ في الكل لأنه إن كان المعنى فسخت في النصف أولا وفي النصف الآخر ثانيا فالانفساخ في الكل ظاهر ، وإن كان المعنى فسخت في النصف وأجزت في الآخر فقد تقدم أنه ينفسخ في الكل تغليبا للفسخ .

                                                                                                                            وأما في الأولى فيحتمل أن يراجع ، فإن قال أردت الإجازة في النصف والفسخ في الباقي انفسخ في الكل ، وإن قال أردت الإجازة في النصف الأول مثلا وفي الثاني أيضا نفذت الإجازة وإن لم يعلم له حال بأن تعذرت مراجعته لعاما قاله لتعارض الأمرين في حقه وبقي الخيار عملا بالأصل ( قوله : وينقطع أيضا بمفارقته إلخ ) كان الأولى تأخيره عن قول المصنف وبالتفرق إلخ ، وإنما ذكره دفعا لما يتوهم من أن خياره إنما ينقطع بالقول لأن مفارقة محله كمفارقة العاقدين من المجلس وهو لا يقطع الخيار وإن تماشيا منازل كما يأتي ( قوله : وبالتفرق ببدنهما ) .

                                                                                                                            [ فرع ] كاتب بالبيع غائبا امتد خيار المكتوب إليه مجلس بلوغ الخبر ، وامتد خيار الكاتب إلى مفارقته المجلس الذي يكون فيه عند وصول الخبر للمكتوب إليه مر .

                                                                                                                            وفي فتاوى الشارح نقل ذلك عن البلقيني في حواشي الروضة خلافا لظاهر الروضة ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وسيأتي في كلام الشارح ما يقتضي خلافه من امتداد خيار الكاتب إلى انقطاع خيار المكتوب إليه ، ويوافقه قول شيخنا الزيادي لو فارق الحي مجلسه لم ينقطع خياره كما في الكتابة لغائب لا ينقطع خيار الكاتب إلا بمفارقة المكتوب إليه ، فكذا هنا على المعتمد خلافا لما في شرح الروض ( قوله : هنيهة ) أي قليلا ( قوله لا يقال قضية ذلك ) أي فعل ابن عمر ( قوله : { إلا أن تكون صفقة خيار } ) أي مشروط [ ص: 9 ] في العقد ( قوله : المستوية الطرفين ) أي فتكون المفارقة بقصد ذلك مكروهة ، ولا يلزم منه أن فعل ابن عمر كان مكروها لجواز أن لا تكون مفارقته لذلك بل لغرض جواز التصرف فيه ( قوله : بقي خياره ) فلو زال الإكراه كان موضع زوال الإكراه كمجلس العقد فإن انتقل منه إلى غيره بحيث يعد مفارقا له انقطع خياره ، ومحله كما هو ظاهر حيث زال الإكراه في محل يمكنه المكث فيه عادة ، أما لو زال وهو في محل لا يمكن المكث فيه عادة كلجة ماء لم ينقطع خياره بمفارقته لأنه في حكم المكره على الانتقال منه لعدم صلاحية محله للجلوس ، وعليه فلو كان أحد الشاطئين للبحر أقرب من الآخر فهل يلزم قصده حيث لا مانع أولا ويجوز له التوجه إلى أيهما شاء ولو بعد ؟ فيه نظر ، وقياس ما لو كان لمقصده طريقان طويل وقصير فسلك الطويل لا لغرض حيث كان الأظهر فيه عدم الترخص انقطاع خياره هنا فليراجع وليتأمل .

                                                                                                                            ( قوله : وكان المبيع ) من جملة الغاية ( قوله لا خيار ) أي فلا يبقى ( قوله : وإلا بقي ) وانظر ما لو زال إكراهه بعد هل يكلف الخروج عقب زوال الإكراه ليتبع صاحبه أو لا ، ويغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء فيه نظر ، والأقرب الأول ، وينبغي أن محل انقطاع الخيار بعدم الخروج إذا عرف محله الذي ذهب إليه وإلا فينبغي أن لا ينقطع خياره إلا بعد انقطاع خيار الهارب بناء على ما تقدم عن الشارح من أن الكاتب لا ينقطع خياره إلا بانقطاع خيار المكتوب إليه ( قوله : وإن هرب أحدهما ) أي مختارا أما لو هرب خوفا من سبع أو نار أو قاصد له بسيف مثلا فالظاهر أنه من القسم الأول وإن لم يكن في ذلك إكراه على خصوص المفارقة ا هـ سم على منهج وينبغي أن مثل ذلك إجابة النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينقطع بها الخيار إذا فارق مجلسه لها ( قوله : مع انتفاء العذر ) أي من جانب الهارب ( قوله : أن غير الهارب لو كان نائما إلخ ) وخيار الملتصقين إنما ينقطع بالقول فقط لا بمفارقتهما مجلس العقد ا هـ الخطيب .

                                                                                                                            أقول : ولعل الفرق بينهما وبين متولي الطرفين حيث ينقطع خياره بمفارقته مجلسه مع أنه قائم مقام نفسه وموليه أن موليه مفارق له منفصل عنه حقيقة فكان قبوله عنه نيابة محضة ، فإذا فارق مجلسه نزل منزلة مفارقة موليه لكون الحاصل عنه مجرد نيابة في الصيغة ، ولا كذلك الملتصقان فإنه لا يمكن التفرق بينهما لا حقيقة ولا حكما ( قوله : لم يبطل خياره ) معتمد ( قوله : بفوق ما بين الصفين ) [ ص: 10 ] لحصول الفضيلة وهو ثلاثة أذرع ( قوله : خلافا للروياني ) جرى عليه حج حيث قال على ما في البحر : ولم يتعقبه هنا لكن يؤخذ من قوله بعد إن ألحق ينتقل بموت العاقد أو جنونه أو إغمائه للموكل عدم اعتماده ، وعليه فتستثنى هذه من قولهم الواقع في مجلس العقد كالواقع في صلبه وينتقل الخيار بذلك للموكل كما يأتي ( قوله : في ذلك ) أي في عزل الموكل وكيله إلخ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وقول أحدهما اخترت ) عبارة التحفة : اختر من غير تاء بصيغة الأمر ( قوله : لا يقال ) التعبير هنا بلا يقال فيه حزازة إذ كونه قضية فعل ابن عمر ما ذكر ، [ ص: 9 ] وكون قضية الخبر ما ذكر فيه لا مانع من كونه يقال فكان ينبغي أن يعترف بكون قضيته فعل ابن عمر ذلك ثم يقول ويشكل عليه قضية الخبر ثم يجيب بالحمل الذي ذكره ( قوله : خشية أن يستقبله ) عبارة التحفة خشية من فسخ صاحبه فهو المراد في عبارة الشارح ، لكن الشارح إنما آثرها ليوافق لفظ الخبر . ( قوله : إلا أن تكون صفقة خيار ) الاستثناء من مفهوم قوله ما لم يتفرقا : أي فإن تفرقا انقطع الخيار إلا أن تكون صفقة خيار ، أي بأن شرطاه ( قوله : ومحل البطلان ) يعني : بطلان الخيار ( قوله : مطلقا ) أي : سواء منع الآخر من اتباعه أم لا . ( قوله : نائما مثلا ) أي : كأن كان مغمى عليه لا مكرها ; لتمكنه من الفسخ بالقول ( قوله : ولا يبطل البيع بعزل الموكل إلخ ) وظاهر أنه [ ص: 10 ] لا ينقطع به الخيار بل ينتقل للموكل كما يأتي في مسألة الموت




                                                                                                                            الخدمات العلمية