الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          331 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          وصفة الأذان : معروفة ، وأحب ذلك إلينا أذان أهل مكة وهو : الله أكبر ، الله أكبر ; الله أكبر ، الله أكبر ; أربع مرات ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله .

                                                                                                                                                                                          ثم يرفع صوته فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله ; أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن [ ص: 186 ] محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ؟ .

                                                                                                                                                                                          وأذان أهل المدينة كما وصفنا سواء سواء ; إلا أنه لا يقول في أول أذانه : " الله أكبر ، الله أكبر " إلا مرتين فقط وأذان أهل الكوفة كما وصفنا أذان أهل مكة إلا أنهم لا يقولون " أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله " إلا مرتين فقط ؟ وإن أذن مؤذن بأذان أهل المدينة أو بأذان أهل الكوفة : فحسن وإن زاد في صلاة الصبح بعد : حي على الفلاح - : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم : فحسن ؟ .

                                                                                                                                                                                          وإنما تخيرنا أذان أهل مكة ; لأن فيه زيادة ذكر لله تعالى على أذان أهل المدينة ، وأذان أهل الكوفة ; ففيه ترجيع " الله أكبر " وفيه ترجيع " أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله " ، وهذه زيادة خير لا تحقر .

                                                                                                                                                                                          أقل ما يجب لها ستون حسنة ؟ وأيضا : فإنه قد رويناه من طرق ، منها - : ما حدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن سليمان المنقري البصري ثنا حفص بن عمر الحوضي ثنا همام بن يحيى أن عامر بن عبد الواحد الأحول حدثه أن مكحولا الشامي حدثه أن ابن محيريز حدثه أن أبا محذورة حدثه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة ، والإقامة سبع عشرة كلمة } ثم وصف الأذان الذي ذكرنا حرفا حرفا ؟ .

                                                                                                                                                                                          وحدثناه أيضا : عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد ثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن ابن محيريز أخبره - ، وكان يتيما في حجر أبي محذورة - قال : قلت لأبي محذورة : إني خارج إلى الشام ، وأخشى أن أسأل عن تأذينك فأخبرني ؟ فذكر له { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان } كما ذكرنا نصا .

                                                                                                                                                                                          وقد جاءت أيضا آثار مثل هذه بمثل أذان أهل المدينة وأذان أهل الكوفة ; إلا أن [ ص: 187 ] هذه زائدة عليها تربيعا وترجيعا ; وزيادة الرواة العدول لا يجوز تركها ; إلا أن تكون على التخيير ; فيكون الأخذ بالزيادة أفضل ; لأنها زيادة ذكر وخير ؟ .

                                                                                                                                                                                          وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع بن سفيان الثوري عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة : أنه أرسل إلى مؤذن له : لا تثوب في شيء من الصلاة إلا الفجر ; فإذا بلغت " حي على الفلاح " فقل " الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم " فإنه أذان بلال .

                                                                                                                                                                                          قال علي : سويد بن غفلة من أكبر التابعين ، قدم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمس ليال أو نحوها ; وأدرك جميع الصحابة الباقين بعد موته عليه السلام .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى وكيع عن سفيان الثوري عن أبي جعفر المؤذن عن أبي سليمان عن أبي محذورة : أنه كان إذا بلغ " حي على الفلاح " في الفجر قال " الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم " .

                                                                                                                                                                                          قال علي : لم يؤذن بلال لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة بالشام للظهر ، أو العصر فقط ، ولم يشفع الأذان فيها أيضا .

                                                                                                                                                                                          وأما الإقامة فهي " الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ؟ " .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : أن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد حدثنا قال ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن سماك بن عطية عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال { أمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة إلا الإقامة } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 188 ] حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة قال : كان بلال يوتر الإقامة ويثني الأذان ; إلا قوله " قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة " ؟ .

                                                                                                                                                                                          قال علي : قد ذكرنا ما لا يختلف فيه اثنان من أهل النقل : أن بلالا رضي الله عنه لم يؤذن قط لأحد بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة بالشام ، ولم يتم أذانه فيها ; فصار هذا الخبر مسندا صحيح الإسناد ، وصح أن الآمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أحد غيره وقال الحنفيون : الإقامة مثنى مثنى ، واختلف عنهم في تفسير ذلك ; فروى زفر عن أبي حنيفة كما ذكرنا في قول " الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر " أربع مرات في ابتداء الأذان ، وفي ابتداء الإقامة كذلك أيضا ; وعلى هذه الرواية هم الحنفيون اليوم ؟ وعن أبي يوسف عن أبي حنيفة في كلا الأمرين الأذان والإقامة " الله أكبر ، الله أكبر " في ابتدائهما مرتين فقط .

                                                                                                                                                                                          وقد جاء حديث بمثل رواية أبي يوسف في الأذان ، وما نعلم خبرا قط روي في قول " الله أكبر ، الله أكبر " أربع مرات في أول الإقامة ولو لا أنها ذكر الله تعالى لوجب إبطال الإقامة بها ; وإبطال صلاة من صلى بتلك الإقامة ، ولكن هذه الزيادة بمنزلة من زاد في الإقامة " لا حول ولا قوة إلا بالله " أو غير ذلك مما ليس من الإقامة في شيء ؟ .

                                                                                                                                                                                          وقال المالكيون : الإقامة كلها وتر ; إلا " الله أكبر ، الله أكبر " فإنه يكرر ; ولا يقال " قد قامت الصلاة " إلا مرة واحدة قال علي : الأذان منقول نقل الكافة بمكة وبالمدينة وبالكوفة ; لأنه لم يمر بأهل الإسلام - مذ نزل الأذان على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم مات أنس بن مالك : آخر من شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه - يوم إلا وهم يؤذنون فيه في كل مسجد من مساجدهم خمس مرات فأكثر ; فمثل هذا لا يجوز أن ينسى ولا أن يحرف ؟ فلو لا أن كل هذه الوجوه قد كان يؤذن بها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك ; [ ص: 189 ] وكان الأذان بمكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعه عليه السلام إذ حج ، ثم يسمعه أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، بعده عليه السلام ، وسكنها أمير المؤمنين ابن الزبير تسع سنين ، وهو بقية الصحابة ، والعمال من قبله بالمدينة والكوفة : فمن الباطل الممتنع المحال الذي لا يحل أن يظن بهم رضي الله عنهم أن أهل مكة بدلوا الأذان وسمعه أحد هؤلاء الخلفاء رضي الله عنهم أو بلغه والخلافة بيده - : فلم يغير ، هذا ما لا يظنه مسلم ; ولو جاز ذلك لجاز بحضرتهم بالمدينة ولا فرق ؟ وكذلك فتحت الكوفة ونزل بها طوائف من الصحابة رضي الله عنهم وتداولها عمال عمر بن الخطاب ، وعمال عثمان رضي الله عنهما ، كأبي موسى الأشعري ، وابن مسعود ، وعمار ، والمغيرة ، وسعد بن أبي وقاص ، ولم تزل الصحابة الخارجون عن الكوفة يؤذنون في كل يوم سفرهم خمس مرات ، إلى أن بنوها وسكنوها ; فمن الباطل المحال أن يحال الأذان بحضرة من ذكرنا ويخفى ذلك على عمر وعثمان ، أو يعلمه أحدهما فيقره ولا ينكره ؟ ثم سكن الكوفة علي بن أبي طالب إلى أن مات ونفذ العمال من قبله إلى مكة والمدينة ، ثم الحسن ابنه رضي الله عنه إلى أن سلم الأمر لمعاوية رحمه الله تعالى ; فمن المحال أن يغير الأذان ولا ينكر تغيره : علي ; والحسن ; ولو جاز ذلك على علي ; لجاز مثله على أبي بكر وعمر وعثمان ، وحاشا لهم من هذا ; ما يظن هذا بهم ، ولا بأحد منهم مسلم أصلا ؟ .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : ليس أذان مكة ولا أذان الكوفة نقل كافة ؟ قيل لهم : فإن قالوا لكم : بل أذان أهل المدينة ليس هو نقل كافة فما الفرق ؟ فإن ادعوا في هذا محالا ادعي عليهم مثله ؟ فإن قالوا : إن أذان أهل مكة وأهل الكوفة يرجع إلى قوم محصور عددهم ؟ قيل لهم : وأذان أهل المدينة يرجع إلى ثلاثة رجال لا أكثر : مالك ، وابن الماجشون ، وابن أبي ذئب فقط ; وإنما أخذه أصحاب هؤلاء عن هؤلاء فقط فإن قالوا : لم يختلف في الأذان بالتثنية ؟ قيل لهم : هذا الكذب البحت روى معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر : [ ص: 190 ] الأذان ثلاثا ثلاثا .

                                                                                                                                                                                          وروى ابن جريج عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يثني الإقامة ; فيبطل بهذا بيقين البطلان فيما يحتج به المالكيون لاختيارهم في الأذان بأنه نقل الكافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          فصح يقينا أن لأذان أهل مكة من ذلك ما لأذان أهل المدينة سواء سواء - وأن لأذان أهل الكوفة من ذلك ما لأذان أهل مكة وأذان أهل المدينة ولا فرق ؟ فإن قالوا : لم يغير ذلك الصحابة لكن غير بعدهم ؟ قلنا : إن جاز ذلك على التابعين بمكة والكوفة ، فهو على التابعين بالمدينة أجوز ; فما كان بالمدينة في التابعين كعلقمة ، والأسود ، وسويد بن غفلة ; والرحيل ومسروق ، ونباتة وسلمان بن ربيعة وغيرهم ; فكل هؤلاء أفتى في حياة عمر بن الخطاب ; وما يرتفع أحد من تابعي أهل المدينة على طاوس وعطاء ومجاهد ومعاذ الله أن يظن بأحد منهم تبديل عمود الدين ؟ فإن هبطوا إلى تابعي التابعين ; فما يجوز شيء من ذلك على سفيان الثوري ، وابن جريج ، إلا جاز مثله على مالك ; فما له على هذين فضل ، لا في علم ولا في ورع ; ومعاذ الله أن يظن بأحد منهم شيء من هذا فإن رجعوا إلى الولاة ; فإن الولاة على مكة ، والمدينة ، والكوفة : إنما كانوا ينفذون من الشام من عهد معاوية إلى صدر زمان أبي حنيفة ، وسفيان ، ومالك ; ثم من الأنبار وبغداد في باقي أيام هؤلاء ; فلا يجوز شيء من ذلك على والي مكة ، والكوفة ، إلا جاز مثله على والي المدينة ; وكلها قد وليها الصالح والفاسق ، كالحجاج ، وحبيش بن دلجة ، وطارق ، وخالد القسري وما هنالك من كل من لا خير ; فما جاز من ذلك عليهم بمكة ، والكوفة ، فهو جائز عليهم بالمدينة سواء سواء ؟ بل الأمر أقرب إلى الامتناع بمكة ; لأن وفود جميع أهل الأرض يردونها كل سنة ; فما كان ليخفى ذلك أصلا على الناس ; وما قال هذا أحد قط - ، والحمد لله [ ص: 191 ] فإن رجعوا إلى الروايات ; فالروايات كما ذكرنا متقاربة إلا قول أبي حنيفة المشهور في الإقامة ; فما جاءت به قط رواية ؟ .

                                                                                                                                                                                          وليس هذا من المد ، والصاع ، والوسق ، في شيء ; لأن كل مد ، أو قفيز أحدث بالمدينة وبالكوفة فقد عرف ; كما عرف بالمدينة مد هشام الذي أحدث ; والمد الذي ذكره مالك في موطئه : أن الصاع هو مد وثلث بالمد الآخر ، وكمد أهل الكوفة الحجاجي ، وكصاع عمر بن الخطاب ، ولا حرج في إحداث الأمير أو غيره مدا أو صاعا لبعض حاجته ؟ وبقي مد النبي صلى الله عليه وسلم وصاعه ووسقه منقولا إليه نقل الكافة إليه صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          والعجب أن مالكا رأى كفارة الظهار خاصة بمد هشام المحدث على اختلاف أصحابه فيه ; فأشهب ، وابن وهب ، وابن القاسم ، يقول أحدهم : وهو مد ونصف ، ويقول الآخر : هو مدان غير ثلث - ويقول غيرهم : هو مدان واحتج بعض أصحاب أبي حنيفة بأن قال : أذان أبي محذورة متأخر ؟ فقلنا : نعم ; وأحسن طرقه موافق لاختيارنا - ، ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : إن فيه تثنية الإقامة ؟ قلنا : نعم ، ولسنا ننكر تثنيتها كان الأمر الأول ; وإفرادها كان الأمر الآخر بلا شك .

                                                                                                                                                                                          لما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات حدثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم { أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ؟ قال : علمه بلالا ; فقام بلال فأذن مثنى ، وأقام مثنى } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وهذا إسناد في غاية الصحة من إسناد الكوفيين ؟ فصح أن تثنية الإقامة قد نسخت ; وأنه هو كان أول الأمر ; وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخذ عن مائة وعشرين من الصحابة ; وأدرك بلالا وعمر رضي الله عنهما ; فلاح [ ص: 192 ] بطلان قولهم بيقين - ، ولله تعالى الحمد ؟ .

                                                                                                                                                                                          إلا أن الأفضل ما صح من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا بأن يوترها إلا الإقامة ; والصحيح الآخر أولى بالأخذ مما لا يبلغ درجته ؟ ، وقد قال بعض متأخري المالكيين : معنى " إلا الإقامة " أي إلا " الله أكبر " وهذا جري منهم على عادتهم في الكذب " وما سمى أحد قط قول " الله أكبر " إقامة ، لا في لغة ، ولا في شريعة ، فكيف وقد جاء مبينا أنه " قد قامت الصلاة " كما ذكرناه ؟ وقال الحنفيون : إن الأمر لبلال بأن يوتر الإقامة هو ممن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لحاق منهم بالروافض الناسبين إلى أبي بكر ، وعمر ، تبديل دين الإسلام ; ولعن الله من يقول هذا ; فما يقوله مسلم ؟ فإن قالوا : قد رويتم من طريق حيوة عن الأسود : أن بلالا كان يثني الإقامة ؟ قلنا : نعم ; وأنس روى : أن بلالا أمر بوترها ، وأنس سمع أذان بلال بلا شك ، ولم يسمعه الأسود قط يؤذن ، ولا يقيم - : فصح أن معنى قول الأسود : إن بلالا كان يثني الإقامة يريد قوله " قد قامت الصلاة " حتى يتفق قوله مع رواية أنس في ذلك ؟ .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وقال بعض الحنفيين : لعل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة أن يقول " أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله " إنما كان لأجل أنه كان خفض به صوته ، لا لأنه من حكم الأذان ؟ قال علي : وهذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد ; لأنه عليه السلام لو علم أن هذا الترجيع ليس من نفس الأذان لنبأه عليه ، ولما تركه ألبتة يقول ذلك خافضا صوته في ابتداء الأذان ; فليس هو كلمة واحدة ; بل أربع قضايا - : الاثنتان منها - : ست كلمات ، ست كلمات ، والاثنتان - : خمس كلمات ، خمس كلمات .

                                                                                                                                                                                          فمن الكذب البحت - الذي يستحق فيه صاحبه أن يتبوأ مقعده من النار - أن يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة يأتي بكل ذلك خافض الصوت ; وليس خفضه من حكم [ ص: 193 ] الأذان ; فإذا تركه على الخطأ ، ولم ينهه زاد في إضلاله ، بأن يأمره بأن يعيد ذلك رافعا صوته ، ولا يعلمه أن تكرار ذلك ليس من الأذان وما ندري كيف ينطلق بهذا لسان مسلم أو ينشرح له صدره ؟ .

                                                                                                                                                                                          فكيف والآثار - التي هي أحسن ما روي في ذلك - جاءت مبينة بأن نبي الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان كذلك نصا ; كلمة كلمة ، تسع عشرة كلمة فوضح كذب هؤلاء القائلين جهارا ؟ وقال بعضهم : لما رأينا ما كان في الأذان في موضعين كان في الموضع الثاني على نصف ما هو عليه في الموضع الأول - : ألا ترى أنه يقال في أول الأذان " أشهد أن لا إله إلا الله " مرتين ، ويقال في آخره " لا إله إلا الله " مرة وكان التكبير مما يتكرر في الأذان ، وكان التكبير في آخر الأذان مرتين ، والقياس أن يكون في أول الأذان أربعا .

                                                                                                                                                                                          قال علي : إذا كان هذا الهوس عندكم حقا فإن التكبير مربع في أول الأذان كما تقول ; فالواجب أن يكون " أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله " مربعا أيضا في التكبير ، وأن لا يثنى من الأذان إلا ما اتفق على أن يثنى ، كما لا يفرد منه إلا ما اتفق على إفراده ، وهو " لا إله إلا الله " فقط ; فيكون أول الأذان ثلاث قضايا مربعات ، ثم يتلوها ثلاث قضايا مثنيات ; ثم توتر ذلك قضية سابعة مفردة ; فهذا هذر أفلح من هذركم ; فينبغي أن تلتزموه وأما المالكيون ، فإنهم إذا قاسوا المستحاضة على المصراة ، والنفخ في الصلاة على { فلا تقل لهما أف } والمرأة ذات الزوج في مالها على المريض المخوف عليه الموت ; وفرج المتزوجة على يد السارق ; وسائر تلك القياسات التي لا شيء أسقط منها ولا أغث .

                                                                                                                                                                                          فهذان القياسان أدخل في المعقول عند كل ذي مسكة عقل ; فينبغي لهم أن يلتزموها إن كانوا من أهل القياس ; وإلا فليتركوا تلك المقايس السخيفة ; فهو أحظى لهم في الدين وأدخل في المعقول ، وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وقال بعض المالكيين : لما كانت " لا إله إلا الله " تقال في آخر الأذان مرة واحدة - : وجب أن تكون الإقامة كلها كذلك ، إلا ما اتفق عليه من التكبير فيها ؟ [ ص: 194 ] فقلنا لهم : لما لم يكن ما ذكرتم حجة في إفراد الأذان لم يكن حجة في إفراد الإقامة .

                                                                                                                                                                                          وأيضا : فإنه لما كان التكبير في الإقامة يثنى باتفاق منا ومنكم - : وجب أن يثنى سائر الإقامة ، إلا ما اتفق عليه ، وهو التهليل في آخرها فقط أو لما كان التكبير في الإقامة يقال أربع مرات وجب أن يكون في الإقامة أيضا يقال مرتين ; ليكون فيها تربيع يخرج منه إلى تثنية إلى إفراد ، وكل هذا هوس ; إنما أوردناه ليرى أهل التصحيح فساد القياس وبطلانه ؟ .

                                                                                                                                                                                          وقد صح عن ابن عمر ، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف : أنهم كانوا يقولون في أذانهم " حي على خير العمل " ولا نقول به ; لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا حجة في أحد دونه - ولقد كان يلزم من يقول في مثل هذا عن الصاحب : مثل هذا لا يقال بالرأي - : أن يأخذ بقول ابن عمر في هذا ، فهو عنه ثابت بأصح إسناد .

                                                                                                                                                                                          وقال الحسن بن حي : يقال في العتمة " الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم " ولا نقول بهذا أيضا ; لأنه لم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية