الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قالت الملائكة شروع في شرح بقية أحكام اصطفاء آل عمران إثر الإشارة إلى نبذ من فضائل بعض أقاربهم - أعني زكريا ويحيى عليهما الصلاة والسلام -لاستدعاء المقام إياهما حسبما أشير إليه. وقرئ بتذكير الفعل و المراد بـ "الملائكة": جبريل عليه الصلاة والسلام وقد مر ما فيه من الكلام، و "إذ" منصوب بمضمر معطوف على المضمر السابق عطف القصة على القصة. وقيل: معطوف على الظرف السابق أعني( قوله: إذ قالت امرأة عمران منصوب بناصبه فتدبر، أي: واذكر أيضا من شواهد اصطفائهم وقت قول الملائكة عليهم الصلاة والسلام. يا مريم وتكرير التذكير للإشعار بمزيد الاعتناء بما يحكى من أحكام الاصطفاء والتنبيه على استقلالها وانفرادها عن الأحكام السابقة، فإنها من أحكام التربية الجسمانية اللائقة بحال صغر مريم، وهذه من باب التربية [ ص: 35 ] الروحانية بالتكاليف الشرعية المتعلقة بحال كبرها. قيل: كلموها شفاها كرامة لها أو إرهاصا لنبوة عيسى عليه الصلاة والسلام لمكان الإجماع على أنه تعالى لم يستنبئ امرأة، وقيل: ألهموها. إن الله اصطفاك أولا حيث تقبلك من أمك بقبول حسن ولم يتقبل غيرك أنثى و رباك في حجر زكريا عليه السلام ورزقك من رزق الجنة وخصك بالكرامات السنية. وطهرك أي: مما يستقذر من الأحوال والأفعال ومما قذفك به اليهود بإنطاق الطفل. واصطفاك آخرا. على نساء العالمين بأن وهب لك عيسى عليه الصلاة والسلام من غير أب ولم يكن ذلك لأحد من النساء وجعلكما آية للعالمين، فعلى هذا ينبغي أن يكون تقديم حكاية هذه المقاولة على حكاية بشارتها بعيسى عليه الصلاة والسلام لما مر مرارا من التنبيه على أن كلا منهما مستحق للاستقلال بالتذكير، و لو روعي الترتيب الخارجي لتبادر كون الكل شيئا واحدا. وقيل: المراد بالاصطفاءين واحد و التكرير للتأكيد وتبيين من اصطفاها عليهن، فحينئذ لا إشكال في ترتيب النظم الكريم; إذ يحمل حينئذ الاصطفاء على ما ذكر أولا، و تجعل هذه المقاولة قبل بشارتها بعيسى عليه الصلاة والسلام إيذانا بكونها قبل ذلك متوفرة على الطاعات والعبادات حسبما أمرت بها مجتهدة فيها مقبلة على الله تعالى متبتلة إليه تعالى منسلخة عن أحكام البشرية مستعدة لفيضان الروح عليها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية