الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ميراث أولاد الابن قال أبو بكر رضي الله عنه : قد بينا أن قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم قد أريد به أولاد الصلب وأولاد الابن إذا لم يكن ولد الصلب ؛ إذ لا خلاف أن من ترك بني ابن وبنات ابن أن المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين بحكم الآية ، وكذلك لو ترك بنت ابن [ ص: 14 ] كان لها النصف وإن كن جماعة كان لهن الثلثان على سهام ميراث ولد الصلب ، فثبت بذلك أن أولاد الذكور مرادون بالآية .

واسم الولد يتناول أولاد الابن كما يتناول أولاد الصلب ، قال الله تعالى : يا بني آدم ولا يمتنع أحد أن يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم من ولد هاشم ومن ولد عبد المطلب ، فثبت بذلك أن اسم الأولاد يقع على ولد الابن وعلى ولد الصلب جميعا ؛ إلا أن أولاد الصلب يقع عليهم هذا الاسم حقيقة ويقع على أولاد الابن مجازا ، ولذلك لم يرادوا في حال وجود أولاد الصلب ولم يشاركوهم في سهامهم ، وإنما يستحقون ذلك في أحد حالين : إما أن يعدم ولد الصلب رأسا فيقومون مقامهم ، وإما أن لا يحوز ولد الصلب الميراث فيستحقون بعض الفضل أو جميعه ، فإما أن يستحقوا من أولاد الصلب على وجه الشركة بينهم كما يستحقه ولد الصلب بعضهم مع بعض فليس كذلك .

فإن قيل : لما كان الاسم يتناول ولد الصلب حقيقة وولد الابن مجازا لم يجز أن يرادوا بلفظ واحد لامتناع كون لفظ واحد حقيقة ومجازا .

قيل له : إنهم لم يرادوا بلفظ واحد في حال واحدة متى وجد أولاد الصلب ، فإن ولد الابن لا يستحقون الميراث معهم بالآية وليس يمتنع أن يراد ولد الصلب في حال وجودهم وولد الابن في حال عدم ولد الصلب ، فيكون اللفظ مستعملا في حالين في إحداهما هو حقيقة وفي الأخرى هو مجاز ولو أن رجلا قال : " قد أوصيت بثلث مالي لولد فلان وفلان " وكان لأحدهما أولاد لصلبه ولم يكن للآخر ولد لصلبه وكان له أولاد ابن ، كانت الوصية لولد فلان لصلبه ولأولاد أولاد فلان ، ولم يمتنع دخول أولاد بنيه في الوصية مع أولاد الآخر لصلبه وإنما يمتنع دخول ولد فلان لصلبه وولد ولده معه ، فأما ولد غيره لغير صلبه فغير ممتنع دخوله مع أولاد الآخر لصلبه ؛ فكذلك قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم يقتضي ولد الصلب لكل واحد من المذكورين إذا كان ولا يدخل معه ولد الابن ، ومن ليس له ولد لصلبه وله ولد ابن دخل في اللفظ ولد ابنه .

وإنما جاز ذلك ؛ لأن قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم خطاب لكل واحد من الناس ، فكان كل واحد منهم مخاطبا به على حياله ؛ فمن له منهم ولد لصلبه تناوله اللفظ على حقيقته ولم يتناول ذلك ولد ابنه ، ومن ليس له ولد لصلبه وله ولد ابن فهو مخاطب بذلك على حياله ، فيتناول ولد ابنه .

فإن قيل : إن اسم الولد يقع على كل واحد من ولد الصلب وولد الابن حقيقة لم يبعد ؛ إذ كان الجميع منسوبين إليه من [ ص: 15 ] جهة ولادته ، ونسبه متصل به من هذا الوجه فيتناول الجميع ، كالأخوة لما كان اسما لاتصال النسب بينه وبينه من جهة أحد أبويه شمل الاسم الجميع وكان عموما فيهم جميعا ، سواء كانوا لأب وأم أو لأب أو لأم . ويدل عليه أن قوله تعالى : وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم قد عقل به حليلة ابن الابن كما عقل حليلة ابن الصلب فإذا ترك بنتا وبنت ابن فللبنت النصف بالتسمية ولبنت الابن السدس وما بقي للعصبة . فإن ترك بنتين وبنت ابن وابن ابن ، فللبنتين الثلثان والباقي لابن الابن وبنت الابن بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين .

وكذلك لو كانت بنتين وبنات ابن وابن ابن ابن أسفل منهن كان للبنات الثلثان وما بقي فبين بنات الابن ومن هو أسفل منهن من بني ابن الابن للذكر مثل حظ الأنثيين . وهذا قول أهل العلم جميعا من الصحابة والتابعين ، إلا ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يجعل الباقي لابن الابن وإن سفل ولا يعطي بنات الابن شيئا إذا استكمل البنات الثلثين ، وإنما كان يجعل لبنات الابن تكملة الثلثين مثل أن يترك بنتا وبنات ابن فيكون للبنت النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين ، فإن كان معهن ابن ابن لم يعط بنات الابن أكثر من السدس ؛ وكذلك قوله في الأخوات من الأب مع الأخوات من الأب والأم ؛ وذهب في ذلك إلى أن إناث ولد الابن لو كن وحدهن لم يأخذن شيئا بعد استيفاء البنات الثلثين ، فكذلك إذا كان لهن أخ لم يكن لهن شيء ، ألا ترى أنه لو كان ابن عم مع إحداهن لم يأخذن شيئا .

وليس هذا عند الجماعة كذلك ؛ لأن بنات الابن يأخذن تارة بالفرض وتارة بالتعصيب ، وأخوهن ومن هو أسفل منهن يعصبهن ، كبنات الصلب يأخذن تارة بالفرض وتارة بالتعصيب ؛ فلو انفرد البنات لم يأخذن أكثر من الثلثين وإن كثرن ، ولو كان معهن أخ لهن وهن عشر كان لهن خمسة أسداس المال ، فيأخذن في حال كون الأخ معهن أكثر مما يأخذن في حال الانفراد ؛ فكذلك حكم بنات الابن إذا استوفى بنات الصلب الثلثين لم يبق لهن فرض ، فإن كان معهن أخ صرن عصبة معه ووجب قسمة الثلث الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين . وكذلك قالوا في بنتين وبنت ابن وأخت ، أن للبنتين الثلثين والباقي للأخت ولا شيء لبنت الابن ؛ لأنها لو أخذت في هذه الحال التي ليس معها ذكر كانت مستحقة بفرض البنات ، والبنات قد استوعبن الثلثين ، فلم يبق من فرض البنات شيء تأخذه ، فكانت الأخت أولى ؛ لأنها عصبة مع البنات ، [ ص: 16 ] فما تأخذه الأخت في هذه الحال فإنما تأخذه بالتعصيب ؛ فإذا كان مع بنت الابن أخ لها كان الباقي بعد الثلثين بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء للأخت .

وقد حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة قال : حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن ابن قيس الأودي عن هزيل بن شرحبيل الأودي قال : جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن بنت وبنت ابن وأخت لأب وأم ، فقالا : " للبنت النصف وللأخت النصف ولم يورثا بنت الابن شيئا وأت ابن مسعود فإنه سيتابعنا " فأتاه الرجل فسأله وأخبره بقولهما ، فقال : " لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ، ولكن أقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : لابنته النصف ولابن الابن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت من الأب والأم . فهذا السدس تأخذه بنت الابن بالفرض لا بالتعصيب لم يختلفوا فيه إلا ما روي عن أبي موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة وهو الآن اتفاق . ثم لم يخالفهم عبد الله لو كان معها أخ أن للبنت النصف وما بقي فبين بنت الابن وابن الابن للذكر مثل حظ الأنثيين ، وأنها لا تعطى السدس في هذه الحال كما أعطيت إذا لم يكن معها أخ ؛ ففي هذا دليل على أن بنت الابن تستحق تارة بالفرض وتارة بالتعصيب مع إخوتها كفرائض بنات الصلب . ومن قول عبد الله في بنت وبنات ابن وابن ابن أن للبنت النصف وما بقي فبين بنات الابن وابن الابن للذكر مثل حظ الأنثيين ما لم تزد أنصباء بنات الابن على السدس فلا يعطيهن أكثر من السدس ؛ فلم يعتبر الفرض على حدة في هذه الحال ولا التعصيب على حدة ، ولكنه اعتبر التسمية في منع الزيادة على السدس واعتبر المقاسمة في النقصان ، وهو خلاف القياس والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية