الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( باب يذكر فيه أقسام الخيار في البيع والتصرف في المبيع ) قبل قبضه ( وقبضه والإقالة ) وما يتعلق بذلك ( الخيار : اسم مصدر اختار ) يختار اختيارا لا مصدره ، لعدم جريانه على الفعل ( وهو ) أي الخيار في بيع وغيره ( طلب خير الأمرين ) وهما هنا : الفسخ والإمضاء ( وهو ) أي الخيار على ما هنا بحسب أسبابه ( سبعة أقسام ) وتقدم الثامن كما يأتي التنبيه عليه في كلامه .

                                                                                                                      ( أحدها : خيار المجلس ) بكسر اللام وأصله مكان الجلوس والمراد هنا مكان التبايع على أي حال كانا ( فيثبت ) خيار المجلس ( ولو لم يشترطه ) العاقد ( في البيع ) متعلق بيثبت لحديث { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا } متفق عليه من حديث ابن عمر وحكيم بن حزام وحمله على أنهما بالخيار قبل العقد : غير صحيح لرواية { إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار } فجعل لهما الخيار بعد تبايعهما .

                                                                                                                      ( و ) يثبت [ ص: 199 ] خيار المجلس ( في الشركة فيه ) أي فيما إذا أشركه في ملكه بالنصف ونحوه بقسطه من ثمنه المعلوم ، كما يأتي لأنها صورة من صور البيع بتخيير الثمن ( و ) يثبت خيار المجلس ( في الصلح على مال ) عن دين أو عين أقر بهما ; لأنه بيع كما يأتي في بابه .

                                                                                                                      ( و ) يثبت خيار المجلس في ( الإجارة على العين ) كدار وحيوان ( ولو كانت مدتها تلي العقد ) بأن أجره الدار مثلا شهرا من الآن ( أو ) كانت الإجارة على ( نفع في الذمة ) بأن استأجره لخياطة ثوب أو بناء حائط ونحوه لأن الإجارة نوع من البيع ( و ) يثبت خيار المجلس ( في الهبة إذا شرط فيها ) الواهب ( عوضا معلوما ) لأنها حينئذ بيع وكون البيع وما بمعناه مما ذكر يثبت فيه خيار المجلس ( بمعنى أنه يقع جائزا ، سواء كان فيه ) أي في البيع بصوره المذكورة ( خيار شرط أم لا ) فكل من العاقدين له إمضاء البيع وفسخه غير كتابة فلا خيار فيها لأنها وسيلة للعتق .

                                                                                                                      ( و ) غير ( تولي طرفي عقد بيع ، و ) تولي ( طرفي عقد هبة بعوض ) أو تولي طرفي صلح بمعنى بيع ، وسائر صور البيع السابقة إذا تولى طرفيها واحد لا خيار فيها لانفراد العاقد بالعقد كالشفيع وغير قسمة إجبار فلا خيار فيها ( لأنها إفراز حق لا بيع ) .

                                                                                                                      وخرج بقسمة الإجبار قسمة التراضي فيثبت فيها خيار المجلس كما في المنتهى وغيره ويأتي في القسمة التنبيه على ما فيه ( وغير شراء من يعتق عليه ) لقرابة أو تعليق ، كما لو باشر عتقه .

                                                                                                                      ( قال المنقح : أو يعترف بحريته قبل الشراء ) بأن أقر بأنه حر أو شهد بذلك فردت شهادته ثم اشتراه لم يثبت له خيار المجلس ; لأنه صار حرا باعترافه السابق وشراؤه له افتداء كشراء الأسير وليس شراء حقيقة ( ويثبت ) خيار المجلس ( فيما ) أي في عقد بيع ما ( قبضه شرط لصحته ) أي صحة عقده ( كصرف وسلم وبيع مال الربا بجنسه ) يعني بيع مكيل وموزون بموزون ، ولو من غير جنسه فالمراد بجنسه : المجانس له في الكيل أو الوزن فقط .

                                                                                                                      ( ولا يثبت ) خيار المجلس ( في بقية العقود ) والفسوخ ( كالمساقاة ، والمزارعة ، والحوالة ، والإقالة ، والأخذ بالشفعة ، والجعالة ، والشركة والوكالة ، والمضاربة والعارية ) والمسابقة ( والهبة بغير عوض ، الوديعة ، والوصية قبل الموت ) ; لأنه لا أثر لرد الموصى له ولا لقبوله قبله كما يأتي .

                                                                                                                      ( ولا في النكاح ، والوقف ، والخلع ، والإبراء ، والعتق على مال والرهن ، والضمان والكفالة ) والصلح عن نحو دم عمد ; لأن ذلك كله [ ص: 200 ] ليس بيعا ولا في معناه .

                                                                                                                      ( ولكل من المتبايعين الخيار ) أي خيار المجلس ( ما لم يتفرقا بأبدانهما عرفا ولو أقاما فيه ) أي : في المجلس ( شهرا أو أكثر ) من شهر ( ولو ) أقاما ( كرها ) فهما على خيارهما لعدم التفرق ( فإن تفرقا باختيارهما سقط ) خيارهما ولزم البيع لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم { ما لم يتفرقا } ( لا ) إن تفرقا ( كرها ومعه ) أي : مع تفرقهما مكرهين لا يسقط خيارهما .

                                                                                                                      ( ويبقى الخيار ) لهما ( في ) هذا الحال إلى أن يتفرقا من ( مجلس زال الإكراه فيه ) ; لأن فعل المكره لا يعتد به شرعا ( فإن أكره أحدهما ) وحده على التفرق ( انقطع خيار صاحبه ) لتفرقه باختياره ( ويبقى الخيار للمكره منهما في ) حال تفرقه في ( المجلس الذي زال فيه الإكراه حتى يتفرقا عنه ) اختيارا لما تقدم .

                                                                                                                      ( فإن تراءيا ) أي : المتبايعان وهما في مجلس التبايع ( سبعا أو ظالما خشياه فهربا فزعا منه أو حملهما ) من مجلس التبايع ( سيل ، أو فرقتهما ريح ، فكإكراه قاله ابن عقيل ) فيثبت لهما الخيار إلى أن يتفرقا من مجلس زال فيه ذلك ; لأن فعل الملجأ غير منسوب إليه .

                                                                                                                      ( ومتى تم العقد وتفرقا ) من مجلسه ( لم يكن لواحد منهما الفسخ ) للزوم البيع كما تقدم ( إلا بعيب أو خيار كخيار شرط أو غبن أو تدليس أو نحوه على ما يأتي ) في الباب مفصلا ( أو بمخالفة شرط صحيح اشترط ) وكذا فاسد لمن فات غرضه كما تقدم في الباب قبله .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية