الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 31 ] ( باب العشر والخراج ) قال : ( أرض العرب كلها أرض عشر ، وهي ما بين العذيب إلى أقصى حجر باليمن بمهرة إلى حد الشام [ ص: 32 ] والسواد أرض خراج ، وهو ما بين العذيب إلى عقبة حلوان ، ومن الثعلبية ويقال من العلث إلى عبادان ) ; لأن النبي عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين لم يأخذوا الخراج من أراضي العرب ، ولأنه بمنزلة الفيء فلا يثبت في أراضيهم كما لا يثبت في رقابهم ، وهذا ; لأن وضع الخراج من شرطه أن يقر أهلها على الكفر كما في سواد العراق ومشركو العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، وعمر حين فتح السواد وضع الخراج عليها بمحضر من الصحابة ، ووضع على مصر حين افتتحها عمرو بن العاص ، وكذا اجتمعت الصحابة على وضع الخراج على الشام .

[ ص: 31 ]

التالي السابق


[ ص: 31 ] باب العشر والخراج )

لما ذكر ما يصير به المستأمن ذميا ذكر ما ينوبه من الوظائف المالية إذا صار ذميا وذلك هو الخراج في أرضه ورأسه ، وفي تفاريعهما كثرة فأوردهما في بابين ، وقدم خراج الأرض ; لأن الكلام فيه كان بعرض قريب ، ثم ذكر العشر فيه أيضا تتميما لوظيفة الأرض ; لأنها السبب في الخراج والعشر جميعا ، وقدم ذكر العشر ; لأن فيه معنى العبادة .

والعشر لغة واحد من العشرة ، والخراج ما يخرج من نماء الأرض أو نماء الغلام ، وسمي به ما يأخذه السلطان من وظيفة الأرض والرأس ، وحدد الأراضي العشرية والخراجية أولا ; لأنه حينئذ أضبط فقال ( أرض العرب كلها عشرية وهو ما بين العذيب ) وهو ماء لتميم وذكر ضمير الأرض باعتبار خبره وهو لفظ " ما " في قوله ما بين العذيب ( إلى أقصى حجر باليمن ) وفي بعض النسخ وهي على الظاهر ، وحجر بفتح الجيم ، وإسكانها خطأ ; لأن أبا يوسف قال : حدود أرض العرب ما وراء حدود الكوفة إلى أقصى صخر باليمن ، فعرف أنه حجر بالفتح ، والمراد إلى آخر جزء من أجزاء اليمن وهو آخر حجر منها ، ومهرة حينئذ في آخر موضع من اليمن ، وقولهم من أول عذيب القادسية إلى آخر حجر يوجب أن ذلك أول ما وراء أرض الكوفة ، هذا طولها ، وعرضها من رمل يبرين والدهناء ويعرف برمل عالج إلى مشارف الشام : أي قراها ، وقد يعبر بمنقطع السماوة . قال الكرخي : وهي أرض الحجاز وتهامة ومكة واليمن والطائف والبرية . والحجاز هو جزيرة العرب سمي جزيرة ; لأن بحر الحبش وبحر فارس [ ص: 32 ] والفرات أحاطت بها ، وسمي حجازا ; لأنه حجز بين تهامة ونجد ( والسواد ) أي سواد العراق : أي أرضه سمي به لكثرة اخضراره . وحده ( من العذيب إلى عقبة حلوان ) عرضا ( ومن العلث إلى عبادان ) طولا ( ويقال من الثعلبية إلى عبادان ) قيل هو غلط ; لأن الثعلبية بعد العذيب بكثير ، إذا عرف هذا فأرض العرب كلها عشرية ( لأنه عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين ) بعده ( لم يأخذوا الخراج من أرض العرب ) ولو فعله عليه الصلاة والسلام لقضت العادة بنقله ولو بطريق ضعيف ، فلما لم ينقل دل قضاء العادة على أنه لم يقع .

( ولأن شرط الخراج أن يقر أهلها ) عليها ( على كفرهم كما في سواد العراق والعرب لا يقبل منهم إلا الإسلام ) ، وإلا يقتلون ; ولأنه كما لا رق على العرب فكذا لا خراج على أرضهم ، وسواد العراق المحدد المذكور خراجي ( لأن عمر رضي الله عنه وضع عليه الخراج بمحضر من الصحابة ) وهو أشهر من أن ينقل فيه أثر معين ، وإنما يحتاج إلى ذلك في تقدير الموضوع . وقوله : ( ووضع على مصر إلخ ) أسند الواقدي إلى مشيخة من أهل مصر أن عمرو بن العاص افتتح مصر عنوة واستباح ما فيها وعزل منه مغانم المسلمين ثم صالحهم بعد على وضع الجزية على رءوسهم والخراج على أراضيهم ، ثم كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك ، ، وأسند أيضا إلى عمرو بن الحارث قال : كان عمرو بن العاص يبعث بجزية أهل مصر وخراجها إلى عمر رضي الله عنه كل سنة بعد حبس ما يحتاج إليه ، ولقد استبطأه عمر في الخراج سنة فكتب بكتاب يلومه ويشدد عليه ، وهذا يخالف ما ذكر بعض الشارحين من أن مصر فتحت صلحا على يدي عمرو بن العاص .

، وأما وضع الخراج على أرض الشام فمعروف . قيل ومدن الشام فتحت صلحا ، وأراضيها عنوة على يد يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وأبي عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد ، وفتحت أجنادين صلحا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وفي دالها الفتح في المشهور والكسر .




الخدمات العلمية