الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4446 [ ص: 357 ] (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي ، في (الباب المتقدم) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 192 ، 193 ج 15 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي هريرة، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار: لا يكلمني، ولا أكلمه، حتى جاء سوق بني قينقاع، ثم انصرف، حتى أتى خباء فاطمة، فقال: "أثم لكع؟ أثم لكع؟" -يعني حسنا- فظننا أنه، إنما تحبسه أمه: لأن تغسله، وتلبسه سخابا. فلم يلبث: أن جاء يسعى، حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أحبه فأحبه وأحبب من يحبه" ") .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في طائفة) أي قطعة (من النهار ، لا يكلمني ولا أكلمه ، حتى جاء سوق بني قينقاع) : بضم النون ، وفتحها ، وكسرها . (ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة ، رضي الله عنها) . بكسر الخاء ، وبالمد. أي : بيتها (فقال : "أثم لكع ؟ أثم لكع ؟" .

                                                                                                                              [ ص: 358 ] المراد به هنا : الصغير . (يعني : حسنا ، رضي الله عنه؛ فظننا أنه ، إنما تحبسه أمه : لأن تغسله ، وتلبسه سخابا) : بكسر السين المهملة ، وبالخاء المعجمة . جمعه : "سخب" . وهو "قلادة" من القرنفل ، والمسك ، والعود . ونحوها من أخلاط الطيب ، يعمل على هيئة السبحة ، ويجعل "قلادة" للصبيان والجواري.

                                                                                                                              وقيل : هو خيط فيه خرز . سمي "سخابا" : لصوت خرزه عند حركته . من "السخب" : بفتح السين والخاء. يقال : "الصخب" بالصاد . وهو اختلاط الأصوات .

                                                                                                                              وفي هذا الحديث : جواز إلباس الصبيان : "القلائد ، والسخب" ، ونحوها من الزينة . واستحباب تنظيفهم ، لاسيما عند لقائهم أهل الفضل . واستحباب النظافة مطلقا.

                                                                                                                              (فلم يلبث : أن جاء يسعى ، حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه) .

                                                                                                                              فيه : استحباب ملاطفة الصبي ومداعبته ، رحمة له ، ولطفا .

                                                                                                                              واستحباب التواضع مع الأطفال ، وغيرهم .

                                                                                                                              واختلف العلماء في معانقة الرجل للرجل القادم من سفر ؛ فكرهها مالك ، وقال : هي بدعة . واستحبها سفيان ، وغيره . قال النووي : وهو الصحيح ، الذي عليه الأكثرون ، والمحققون .

                                                                                                                              وتناظر مالك ، وسفيان ، في المسألة ؛ فاحتج سفيان : بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فعل ذلك بجعفر ، حين قدم . فقال مالك : هو [ ص: 359 ] خاص به . فقال سفيان : ما يخصه بغير دليل؟! فسكت مالك . قال عياض : سكوت مالك دليل لتسليمه قول سفيان ، وموافقته . وهو الصواب ، حتى يدل دليل للتخصيص .

                                                                                                                              (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "اللهم! إني أحبه ، فأحبه ، وأحب من يحبه") .

                                                                                                                              فيه : حث على حبه ، وبيان فضيلته . رضي الله عنه .

                                                                                                                              وفي حديث البراء عند مسلم ؛ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : واضعا الحسن بن علي على عاتقه ، وهو يقول : "اللهم ! إني أحبه ، فأحبه" .

                                                                                                                              "والعاتق" : ما بين المنكب والعنق .

                                                                                                                              وفيه : ملاطفة الصبيان ، ورحمتهم ، ومماستهم . وأن رطوبات وجوههم ونحوها : طاهرة ، حتى تتحقق نجاستها . ولم ينقل عن السلف : التحفظ منها . ولا يخلون منها غالبا .

                                                                                                                              وعند البخاري ، من حديث "أبي بكرة" : نفيع بن الحارث الثقفي قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، على المنبر - والحسن إلى جنبه ، ينظر إلى الناس مرة ، وإليه مرة. ويقول : "ابني هذا سيد" الحديث.

                                                                                                                              [ ص: 360 ] وعنده ؛ عن أسامة بن زيد ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ (أنه كان يأخذه ، والحسن ، ويقول : "اللهم! إني أحبهما ، فأحبهما" ، أو كما قال) . وقال أنس : "كان - يعني : الحسين -أشبههم- أي : أشبه أهل البيت - برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وكان مخضوبا بالوسمة" . رواه البخاري.

                                                                                                                              وعن ابن عمر ، قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "ما ريحانتاي من الدنيا" . أخرجه البخاري.

                                                                                                                              ووجه الشبه : أن الولد يشم ، ويقبل .

                                                                                                                              وعند الترمذي ، من حديث أنس : "أن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم : كان يدعو الحسن والحسين ، فيشمهما ويضمهما إليه" .

                                                                                                                              وفي الباب : أحاديث تدل على فضائلهما ، وهي كثيرة ، طيبة جدا .




                                                                                                                              الخدمات العلمية