الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إعواز الإبل

( قال الشافعي ) رحمه الله : وعام في أهل العلم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض الدية مائة من الإبل } ثم قومها عمر رضي الله عنه على أهل الذهب والورق فالعلم محيط إن شاء الله تعالى أن عمر لا يقومها إلا قيمة يومها ولعله قوم الدية الحالة كلها في العمد ، وإذا قومها عمر قيمة يومها فاتباعه أن تقوم كلما وجبت على إنسان قيمة يومها كما لو قومت إبل رجل أتلفها رجل شيئا ثم أتلف آخر بعدها مثلها قومت بسوق يومها ولو قومت سرقة ليقطع صاحبها شيئا ثم سرق بعدها آخر مثلها قومت كل واحدة منهما قيمة يومها ولعل عمر أن لا يكون قومها إلا في حين وبلد هكذا قيمتها فيه حين أعوزت ولا يكون قومها إلا برضا من الجاني وولي الجناية كما يقوم ما أعوز من الحقوق اللازمة غيرها وما تراضى به من له الحق وعليه . أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب ومكحول وعطاء . قالوا : أدركنا الناس على أن دية الرجل المسلم الحر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل فقوم عمر رضي الله عنه على أهل القرى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم فإن كان الذي أصابه من الأعراب فديته مائة من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق .

( قال ) وهذا يدل على ما وصفت من أن عمر لم يقوم الدية على من يجد الإبل ولم يقومها إلا عند الإعواز ، ألا ترى أنه لا يكلف الأعرابي ذهبا ولا ورقا لوجود الإبل وأخذ الذهب والورق من القروي لإعواز الإبل فيما أرى - والله أعلم - أن الحق لا يختلف في الدية . أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الإبل على أهل القرى أربعمائة دينار وعدلها من الورق ويقسمها على أثمان الإبل فإذا غلت رفع في قيمتها وإذا هانت نقص من قيمتها على أهل القرى والثمن ما كان } . أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال قضى أبو بكر رضي الله عنه على أهل القرى حين كثر المال وغلت الإبل فأقام مائة من الإبل بستمائة دينار إلى ثمانمائة دينار أخبرنا مسلم بن خالد [ ص: 124 ] عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول على الناس أجمعين أهل القرى وأهل البادية مائة من الإبل على الأعرابي والقروي أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لعطاء الدية الماشية أو الذهب ؟ قال كانت الإبل حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقوم الإبل بعشرين ومائة كل بعير فإن شاء القروي أعطى مائة ناقة ولم يعط ذهبا كذلك الأمر الأول ( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ فتؤخذ الإبل ما وجدت وتقوم عند الإعواز على ما وصفت ; لأن من لزمه شيء لم يقوم عليه وهو يوجد مثله ، ألا ترى أن من لزمه صنف من العروض لم يؤخذ منه إلا هو فإن أعوز ما لزمه من الصنف أخذت قيمته يوم يلزم صاحبه . وقد يحتمل تقويم الإبل أن يكون أعوز من عليه الدية فقومت عليه أو كانت موجودة عند غيره ببلده فقومت والأول أشبه - والله أعلم - . وما روي مما وصفت من تقويم من قوم الدية - والله أعلم - على ما ذهبت إليه ( قال ) والدية لا تقوم إلا بالدنانير والدراهم كما لا يقوم غيرها إلا بهما . ولو جاز أن نقومها بغيرها جعلنا على أهل البقر البقر وعلى أهل الشاة الشاة فقد روي هذا عن عمر كما رويت عنه قيمة الدنانير والدراهم . وجعلنا على أهل الطعام الطعام وعلى الخيل الخيل وعلى أهل الحلل الحلل بقيمة الإبل ولكن الأصل كما وصفت الإبل فإذا أعوز فالقيمة قيمة ما لا يوجد مما وجب على صاحبه وليس ذلك إلا من الدنانير والدراهم ( قال ) وإن وجدت العاقلة بعض الإبل أخذ منها ما وجد وقيمة ما لم تجد إذا لم تجد الوفاء منه بحال . وإنما تقوم إبل من وجبت عليه الدية إن كانت الجناية مما تعقلها العاقلة قومت إبلها وإن كانت مما يعقلها الجاني قومت إبله إن اختلفت إبله وإبل العاقلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية