الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب العول روى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : أول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب لما التوت عليه الفرائض ودافع بعضها بعضا قال : والله ما أدري أيكم قدم الله ولا أيكم أخر ؛ وكان امرأ ورعا فقال : ما أجد شيئا هو أوسع لي أن أقسم المال عليكم بالحصص ؛ وأدخل على كل ذي حق ما دخل عليه من عول الفريضة .

وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي في بنتين وأبوين وامرأة قال : " صار ثمنها تسعا " ، وكذلك رواه الحكم بن عتيبة عنه ، وهو قول عبد الله وزيد بن ثابت .

وقد روي أن العباس بن عبد المطلب أول من أشار على عمر بالعول ، قال عبيد الله بن عبد الله : قال ابن العباس : أول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب وأيم الله لو قدم من قدم الله لما عالت فريضة فقيل له : وأيها التي قدم الله وأيها التي أخر ؟ قال : كل فريضة لم تزل عن فريضة إلا إلى فريضة فهي التي قدم الله ، وكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها ما بقي فهي التي أخر الله تعالى ؛ فأما التي قدم الله تعالى فالزوج والزوجة والأم ؛ لأنهم لا يزولون من فرض إلا إلى فرض ، والبنات والأخوات نزلن من فرض إلى تعصيب مع البنتين والإخوة فيكون لهن ما بقي مع الذكور ، فنبدأ بأصحاب السهام ثم يدخل الضرر على الباقين وهم الذين يستحقون ما بقي إذا كانوا عصبة . قال عبيد الله بن عبد الله : فقلنا له : فهلا راجعت فيه عمر فقال : إنه كان امرأ مهيبا ورعا ؛ قال ابن عباس : ولو كلمت فيه عمر لرجع .

وقال الزهري : لولا أنه تقدم ابن عباس إمام عدل فأمضى أمرا فمضى وكان امرأ ورعا ما اختلف على ابن عباس اثنان من أهل العلم .

وروى محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح [ ص: 23 ] عن عطاء بن أبي رباح قال : سمعت ابن عباس ذكر الفرائض وعولها فقال : أترون الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال قسمه نصفا ونصفا وثلثا ؟ فهذا النصف وهذا النصف فأين موضع الثلث ؟ قال عطاء : فقلت لابن عباس : يا ابن عباس إن هذا لا يغني عنك ولا عني شيئا ، لو مت أو مت قسم ميراثنا على ما عليه القوم من خلاف رأيك ورأيي . قال : فإن شاءوا فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ، ما جعل الله في مال نصفا ونصفا وثلثا .

والحجة للقول الأول أن الله تعالى قد سمى للزوج النصف وللأخت من الأب والأم النصف وللإخوة من الأم الثلث ، ولم يفرق بين حال اجتماعهم وانفرادهم ، فوجب استعمال نص الآية في كل موضع على حسب الإمكان ؛ فإذا انفردوا واتسع المال لسهامهم قسم بينهم عليها ، وإذا اجتمعوا وجب استعمال حكم الآية في التضارب بها ، ومن اقتصر على بعض وأسقط بعضا أو نقص نصيب بعض ووفى الآخرين كمال سهامهم فقد أدخل الضيم على بعضهم مع مساواته للآخرين في التسمية .

فأما ما قاله ابن عباس من تقديم من قدم الله تعالى وتأخير من أخر ، فإنما قدم بعضا وأخر بعضا وجعل له الباقي في حال التعصيب ، فأما حال التسمية التي لا تعصيب فيها فليس واحد منهم أولى بالتقديم من الآخر ، ألا ترى أن الأخت منصوص على فرضها بقوله تعالى : وله أخت فلها نصف ما ترك كنصه على فرض الزوج والأم والإخوة من الأم ، فمن أين وجب تقديم هؤلاء عليها في هذه الحالة وقد نص الله تعالى على فرضها في هذه الحال كما نص على فرض الذين معها ؟ وليس يجب ؛ لأن الله أزال فرضها إلى غير فرض في موضع أن يزيل فرضها في الحال التي نص عليه فيها ؛ فهذا القول أشنع في مخالفة الآي التي فيها سهام المواريث من القول بإثبات نصف ونصف وثلث على وجه المضاربة بها .

ولذلك نظائر في المواريث من الأصول أيضا ، قال الله تعالى : من بعد وصية يوصى بها أو دين فلو ترك الميت ألف درهم وعليه دين لرجل ألف درهم ولآخر خمسمائة ولآخر ألف ، كانت الألف المتروكة مقسومة بينهم على قدر ديونهم ، وليس يجوز أن يقال له لم يكن استيفاء ألفين وخمسمائة من ألف استحال الضرب بها ؛ وكذلك لو أوصى رجل بثلث ماله لرجل وبسدسه لآخر ولم تجز ذلك الورثة تضاربا في الثلث بقدر وصاياهم ، فيضرب أحدهما بالسدس والآخر بالثلث مع استحالة استيفاء النصف [ ص: 24 ] من الثلث ؛ وكذلك الابن يستحق جميع المال لو انفرد وللبنت النصف لو انفردت ، فإذا اجتمعا ضرب الابن بجميع المال والبنت بالنصف فيكون المال بينهما أثلاثا ، وهكذا سبيل العول في الفرائض عند تدافع السهام ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية