الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان

قوله تعالى : فإذا انشقت السماء أي : انصدعت يوم القيامة فكانت وردة كالدهان الدهان الدهن ، عن مجاهد والضحاك وغيرهما . والمعنى أنها صارت في صفاء الدهن ، والدهان على هذا جمع دهن . وقال سعيد بن جبير وقتادة : المعنى : فكانت حمراء . وقيل : المعنى تصير في حمرة الورد وجريان الدهن ، أي تذوب مع الانشقاق حتى تصير حمراء من حرارة نار جهنم ، وتصير مثل الدهن لرقتها وذوبانها . وقيل : الدهان الجلد الأحمر الصرف ، [ ص: 158 ] ذكره أبو عبيد والفراء . أي تصير السماء حمراء كالأديم لشدة حر النار . ابن عباس : المعنى فكانت كالفرس الورد ، يقال للكميت : ورد إذا كان يتلون بألوان مختلفة . قال ابن عباس : الفرس الورد ، في الربيع كميت أصفر ، وفي أول الشتاء كميت أحمر ، فإذا اشتد الشتاء كان كميتا أغبر . وقال الفراء : أراد الفرس الوردية ، تكون في الربيع وردة إلى الصفرة ، فإذا اشتد البرد كانت وردة حمراء ، فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغبرة ، فشبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل . وقال الحسن : كالدهان أي كصب الدهن فإنك إذا صببته ترى فيه ألوانا . وقال زيد بن أسلم : المعنى أنها تصير كعكر الزيت ، وقيل : المعنى أنها تمر وتجيء . قال الزجاج : أصل الواو والراء والدال للمجيء والإتيان . وهذا قريب مما قدمناه من أن الفرس الوردة تتغير ألوانها . وقال قتادة : إنها اليوم خضراء وسيكون لها لون أحمر ، حكاه الثعلبي . وقال الماوردي : وزعم المتقدمون أن أصل لون السماء الحمرة ، وأنها لكثرة الحوائل وبعد المسافة ترى بهذا اللون الأزرق ، وشبهوا ذلك بعروق البدن ، وهي حمراء كحمرة الدم وترى بالحائل زرقاء ، فإن كان هذا صحيحا فإن السماء لقربها من النواظر يوم القيامة وارتفاع الحواجز ترى حمراء ، لأنه أصل لونها . والله أعلم .

قوله تعالى : فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان هذا مثل قوله تعالى : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون وأن القيامة مواطن لطول ذلك اليوم ، فيسأل في بعض ولا يسأل في بعض ، وهذا قول عكرمة . وقيل : المعنى لا يسألون إذا استقروا في النار . وقال الحسن وقتادة : لا يسألون عن ذنوبهم ، لأن الله حفظها عليهم ، وكتبتها عليهم الملائكة . رواه العوفي عن ابن عباس . وعن الحسن ومجاهد أيضا : المعنى لا تسأل الملائكة عنهم ، لأنهم يعرفونهم بسيماهم ؛ دليله ما بعده . وقاله مجاهد عن ابن عباس . وعنه أيضا في قوله تعالى : فوربك لنسألنهم أجمعين وقوله : فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان وقال : لا يسألهم ليعرف ذلك منهم ، لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكنه يسألهم لم عملتموها سؤال توبيخ . وقال أبو العالية : لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم . وقال قتادة : كانت المسألة قبل ، ثم ختم على أفواه القوم وتكلمت الجوارح شاهدة عليهم . وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قال : فيلقى العبد فيقول أي قل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول : بلى فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا فيقول : إني أنساك كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول له مثل ذلك بعينه ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول : يا رب آمنت بك [ ص: 159 ] وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول هاهنا إذا ثم يقال له : الآن نبعث شاهدنا عليك فيفتكر في نفسه من هذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه : انطقي ، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه وقد مضى هذا الحديث في ( حم السجدة ) وغيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية