الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين ( 97 ) ) [ ص: 533 ] يقول تعالى ذكره : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ، اقترب الوعد الحق ، وذلك وعد الله الذي وعد عباده أنه يبعثهم من قبورهم للجزاء والثواب والعقاب ، وهو لا شك حق كما قال جل ثناؤه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو ، يعني ابن قيس ، قال : ثنا حذيفة : لو أن رجلا افتلى فلوا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم القيامة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( واقترب الوعد الحق ) قال : اقترب يوم القيامة منهم ، والواو في قوله ( واقترب الوعد الحق ) مقحمة ، ومعنى الكلام : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق ، وذلك نظير قوله ( فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ) معناه : نادينا ، بغير واو ، كما قال امرؤ القيس :


فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل



يريد : فلما أجزنا ساحة الحي انتحى بنا .

وقوله ( فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ) ففي هي التي في قوله فإذا هي وجهان : أحدهما أن تكون كناية عن الأبصار ، وتكون الأبصار الظاهرة بيانا عنها ، كما قال الشاعر :


لعمروا أبيها لا تقول ظعينتي     ألا فر عني مالك بن أبي كعب

[ ص: 534 ] فكنى عن الظعينة في : لعمروا أبيها ، ثم أظهرها ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا .

والثاني : أن تكون عمادا كما قال جل ثناؤه ( فإنها لا تعمى الأبصار ) وكقول الشاعر :


فهل هو مرفوع بما هاهنا رأس



وقوله ( يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا ) يقول تعالى ذكره : فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مجيء الوعد الحق بأهواله وقيام الساعة بحقائقها ، وهم يقولون : يا ويلنا قد كنا قبل هذا الوقت في الدنيا في غفلة من هذا الذي نرى ونعاين ونزل بنا من عظيم البلاء ، وفي الكلام متروك ترك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر عليه عنه ، وذلك يقولون من قوله ( فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ) [ ص: 535 ] يقولون يا ويلنا ، وقوله ( بل كنا ظالمين ) يقول مخبرا عن قيل الذين كفروا بالله يومئذ : ما كنا نعمل لهذا اليوم ما ينجينا من شدائده ، بل كنا ظالمين بمعصيتنا ربنا وطاعتنا إبليس وجنده في عبادة غير الله عز وجل .

التالي السابق


الخدمات العلمية