الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الخاتم الحديد

                                                                                                          1785 حدثنا محمد بن حميد حدثنا زيد بن حباب وأبو تميلة يحيى بن واضح عن عبد الله بن مسلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من حديد فقال ما لي أرى عليك حلية أهل النار ثم جاءه وعليه خاتم من صفر فقال ما لي أجد منك ريح الأصنام ثم أتاه وعليه خاتم من ذهب فقال مالي أرى عليك حلية أهل الجنة قال من أي شيء أتخذه قال من ورق ولا تتمه مثقالا قال أبو عيسى هذا حديث غريب وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسلم يكنى أبا طيبة وهو مروزي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن عبد الله بن مسلم ) السلمي كنيته أبو طيبة بفتح الطاء المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة المروزي قاضيها صدوق يهم من الثالثة ( ما لي أرى عليك ) مقول صلى الله عليه وسلم وما استفهام إنكار ونسبه إلى نفسه ، والمراد به المخاطب أي ما لك ( حلية أهل النار ) بكسر الحاء أي زينة بعض الكفار في الدنيا أو زينتهم في النار بملابسة السلاسل والأغلال ، وتلك في المتعارف بيننا متخذة من الحديد ، وقيل : إنما كرهه لأجل النتن ( وعليه خاتم من صفر ) بضم الصاد المهملة وسكون الفاء يقال له بالهندية بيتل . ووقع في رواية أبي داود : وعليه خاتم من شبه . قال القاري بفتح الشين المعجمة والموحدة شيء يشبه الصفر ، وبالفارسية يقال له برنج سمي به لشبهه بالذهب لونا . وفي القاموس : الشبه محركة النحاس الأصفر ويكسر انتهى كلام القاري ( ما لي أجد منك ريح الأصنام ) لأن الأصنام تتخذ من الصفر ، قاله الخطابي وغيره ( ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة ) يعني أن خاتم الذهب من حلية أهل الجنة يتختمون به فيها ، وأما في الدنيا فهو حرام على الرجال ( قال من ورق ) أي اتخذه من فضة ، والورق بكسر الراء الفضة ( ولا تتمه ) بضم أوله وتشديد الميم المفتوحة نهى عن الإتمام أي لا نكمله ( مثقالا ) أي لا نكمل وزن الخاتم من الورق مثقالا . قال ابن الملك تبعا للمظهر : هذا نهي إرشاد إلى الورع ، فإن الأولى أن يكون الخاتم أقل من مثقال لأنه أبعد من السرف . وذهب جمع من الشافعية إلى تحريم ما زاد على المثقال . لكن رجح [ ص: 395 ] الآخرون الجواز ، منهم الحافظ العراقي في شرح الترمذي ، فإنه حمل النهي المذكور على التنزيه ، قاله القاري ( هذا حديث غريب ) وأخرجه أبو داود والنسائي .

                                                                                                          قال الحافظ ابن حجر في الفتح : أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وفي سنده أبو طيبة بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة اسمه عبد الله بن مسلم المروزي ، قال أبو حاتم الرازي : يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال ابن حبان في الثقات يخطئ ويخالف ، فإن كان محفوظا حمل المنع على ما كان حديدا صرفا . وقد قال التيفاشي في كتاب الأحجار : خاتم الفولاذ مطردة للشيطان إذا لوي عليه فضة ، فهذا يؤيد المغايرة في الحكم انتهى كلام الحافظ . قال في عون المعبود شرح أبي داود : هذا الحديث مع ضعفه يعارض حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ : " ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها " ، أخرجه أبو داود إسناده صحيح ، فإن هذا الحديث يدل على الرخصة في استعمال الفضة للرجال ، وأن في تحريم الفضة على الرجال لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما جاءت الأخبار المتواترة في تحريم الذهب والحرير على الرجال فلا يحرم عليهم استعمال الفضة إلا بدليل ولم يثبت فيه دليل ، وقال : قد استدل العلامة الشوكاني في رسالته الوشي المرقوم في تحريم حلية الذهب على العموم بهذا الحديث على إباحة استعمال الفضة للرجال بقوله صلى الله عليه وسلم : عليكم بالفضة فالعبوا بها وقال : إسناده صحيح ورواته محتج بهم .

                                                                                                          وأخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي موسى الأشعري حدثنا عبد الصمد حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار حدثني أسيد بن أبي أسيد عن ابن أبي موسى عن أبيه أو عن ابن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سره أن يحلق حبيبته حلقة من نار فليحلقها حلقة من ذهب ، ومن سره أن يسور حبيبته سوارا من نار فليسورها سوارا من ذهب ولكن الفضة فالعبوا بها لعبا " انتهى ، وحسن إسناده الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث سهل بن سعد مرفوعا بلفظ : من أحب أن يسور ولده سوارا من نار فليسوره سوارا من ذهب ، ولكن الفضة فالعبوا بها كيف شئتم . قاله الهيثمي في مجمع الزوائد : في إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف انتهى .

                                                                                                          قلت : في الاستدلال على إباحة استعمال الفضة للرجال بقوله صلى الله عليه وسلم : ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها عندي نظر ، فإن المراد باللعب بالفضة التحلية بها للنساء من التحليق والتسوير بها لهن ، وليس المراد به اللعب بها للرجال ، يدل على ذلك صدر الحديث أعني قوله صلى الله عليه وسلم : " من سره أن يحلق حبيبته حلقة من نار فليحلقها حلقة من ذهب ، ومن سره أن يسور حبيبته سوارا من نار فليسورها [ ص: 396 ] سوارا من ذهب " ، كما في رواية أحمد . ومعنى الحديث أن لا تحلقوا نساءكم حلقة من ذهب ، ولا تسوروهن سوارا من الذهب ولكن العبوا لهن بالفضة من التحليق والتسوير بها لهن ، أو ما شئتم من التحلية بها لهن . هذا ما عندي والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية