الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4472 (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي ، في (الباب السابق) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 205، 206 ج 15 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن ابن شهاب، أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أن - عائشة - زوج النبي، صلى الله عليه وسلم قالت أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها. فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك، يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة -وأنا ساكتة-، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟" فقالت: بلى. قال: "فأحبي هذه" قالت: فقامت فاطمة، حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال [ ص: 389 ] لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل، في ابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله! لا أكلمه فيها أبدا.

                                                                                                                              قالت عائشة : فأرسل أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم: زينب بنت جحش- زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأة قط خيرا -في الدين- من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها: في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله تعالى -ما عدا: سورة من حدة كانت فيها، تسرع منها الفيئة -قالت: فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم- ورسول الله صلى الله عليه وسلم: مع عائشة ، في مرطها، على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك: يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت: ثم وقعت بي. فاستطالت علي، وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه: هل يأذن لي فيها؟ قالت: فلم تبرح زينب، حتى عرفت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يكره أن أنتصر. قالت: فلما وقعت بها، لم أنشبها حتى أنحيت عليها. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -وتبسم-: "إنها ابنة أبي بكر"
                                                                                                                              .

                                                                                                                              [ ص: 390 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 390 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن عائشة ، زوج النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم ؛ قالت : أرسل أزواج النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم : فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم : إلى رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم ، فاستأذنت عليه - وهو مضطجع معي في مرطي - فأذن لها . فقالت : يا رسول الله ! إن أزواجك أرسلنني إليك ؛ يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة . وأنا ساكتة -) .

                                                                                                                              معناه : يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب . وكان صلى الله عليه وآله وسلم : يسوي بينهن في الأفعال ، والمبيت ، ونحوه .

                                                                                                                              وأما محبة القلب ؛ فكان يحب " عائشة " أكثر منهن . وأجمع المسلمون : على أن محبتهن لا تكليف فيها . ولا يلزمه : التسوية فيها ، لأنه لا قدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى . وإنما يؤمر بالعدل في الأفعال .

                                                                                                                              واختلف أهل العلم في أنه "صلى الله عليه وآله وسلم" : هل كان يلزمه القسم بينهن في الدوام والمساواة في ذلك ، كما يلزم غيره ، أم لا؟ بل يفعل ما يشاء : من إيثار ، وحرمان .

                                                                                                                              فالمراد بالحديث : طلب المساواة في محبة القلب ، لا العدل في الأفعال ، فإنه كان حاصلا قطعا . ولهذا كان يطاف به في مرضه : عليه حتى ضعف ، فاستأذنه في أن يمرض في بيت عائشة ، فأذن له .

                                                                                                                              [ ص: 391 ] (قالت : فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟" فقالت : بلى. قال : "فأحبي هذه" . قالت : فقامت فاطمة "رضي الله عنها" ، حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فرجعت إلى أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخبرته بالذي قالت ، وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقلت لها : ما تراك أغنيت عنا من شيء ، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقولي له : إن أزواجك ينشدنك) أي : يسألنك (العدل في ابنة أبي قحافة . فقالت فاطمة : والله ! لا أكلمه فيها أبدا . قالت عائشة : فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم : زينب بنت جحش "رضي الله عنها) - زوج النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم - وهي التي كانت تساميني) أي : تعادلني وتضاهيني (منهن في) الحظوة ، وفي (المنزلة) الرفيعة . مأخوذ من "السمو" وهو الارتفاع (عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ولم أر امرأة قط خيرا - في الدين - من زينب ، وأتقى لله ، وأصدق حديثا ، وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة ، وأشد ابتذالا لنفسها : في العمل الذي تصدق به ، وتقرب به إلى الله، ما عدا سورة من حدة كانت فيها) .

                                                                                                                              وفي معظم النسخ : "من" بفتح الحاء ، بلا هاء .

                                                                                                                              [ ص: 392 ] "وسورة" بفتح السين : الثوران ، وعجلة الغضب . "والحدة" : هي شدة الخلق.

                                                                                                                              ومعنى الكلام : أنها كاملة الأوصاف ، إلا أن فيها شدة خلق وسرعة (تسرع منها الفيئة) بفتح الفاء ، وبالهمز . وهي "الرجوع" . أي : إذا وقع ذلك منها : رجعت عنه سريعا ، ولا تصر عليه .

                                                                                                                              قال النووي : وقد صحف "صاحب التحرير" في هذا الحديث : تصحيفا قبيحا جدا ، فقال : "ما عدا سودة" بالدال . وجعلها : "سودة بنت زمعة" . وهذا من الغلط الفاحش . نبهت عليه ، لئلا يغتر به .

                                                                                                                              (قالت : فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم - ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مع عائشة ، في مرطها ، على الحال التي دخلت فاطمة عليها وهو بها ، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فقالت : يا رسول الله ! إن أزواجك أرسلنني : يسألنك "العدل" في ابنة أبي قحافة . قالت : ثم وقعت بي ، فاستطالت علي) . أي : نالت مني بالوقيعة ، (وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأرقب طرفه ، هل يأذن لي فيها ؟ قالت : فلم تبرح زينب ، حتى عرفت : أن رسول الله صلى الله عليه وآله [ ص: 393 ] وسلم : لا يكره أن أنتصر . قالت : فلما وقعت بها ، لم أنشبها) أي : لم أمهلها (حين أنحيت عليها) بالنون . أي : قصدتها ، واعتمدتها بالمعارضة .

                                                                                                                              وفي بعض النسخ : "حتى" مكان "حين" . وكلاهما صحيح .

                                                                                                                              ورجح عياض : "حين" .

                                                                                                                              وفي رواية : "لم أنشبها أن أثخنتها غلبة" . أي : قمعتها ، وقهرتها .

                                                                                                                              وليس في هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أذن لعائشة ، ولا أشار بعينه ، ولا غيرها . بل لا يحل : اعتقاد ذلك ، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم : تحرم عليه خائنة الأعين . وإنما فيه : أنها انتصرت لنفسها ، فلم ينهها .

                                                                                                                              قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وتبسم -: "إنها ابنة أبي بكر") . هذه إشارة إلى كمال فهمها ، وحسن نظرها ، وجودة ذكائها ، وسرعة إدراكها ، وقوة حجتها .

                                                                                                                              والحديث : دليل على فضيلتها الظاهرة ، ومزيتها الباهرة . رزق الله بناتنا هذه الأوصاف ، بمنه وكرمه .




                                                                                                                              الخدمات العلمية