الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإن غصبه ثوبا وزعفرانا فصبغه به فربه بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء قومه أبيض وزعفرانه صحيحا وضمنه قيمة ما نقص " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وقد ذكرنا هذه المسألة فيما مضى من أقسام الغاصب ثوبا إذا صبغه ، وسنذكر الآن لتكرارها ما حضر من الزيادة فيها فإذا غصب ثوبا وزعفرانا وصبغه به نظر ، فإن رضي المغصوب منه بأخذه مصبوغا من غير تقويم فذاك له وإن طلب استيفاء حقه وجب تقويم الثوب أبيض وتقويم الزعفران صحيحا ، فأما الثوب فيعتبر قيمته وقت الصبغ وأما الزعفران فتعتبر قيمته أكثر ما كانت من وقت الغصب إلى وقت الصبغ ، والفرق بينهما أن الزعفران مستهلك في الصبغ فاعتبر بأكثر قيمته في السوق ؛ لأن زيادة السوق مع الاستهلاك مضمونة ، والثوب غير مستهلك فلم يعتبر أكثر ما كان قيمة ؛ لأن زيادة السوق مع بقاء العين غير مضمونة فإذا قيل قيمة الثوب عند الصبغ عشرة وقيمة الزعفران في أكثر أحواله إلى وقت الصبغ عشرة فصار المضمون على الغاصب من القيمتين عشرين درهما فتعتبر حينئذ قيمة الثوب مصبوغا عند أخذه من الغاصب إذا كانت السوق فيها على الحال المعتبرة في تقويمها على الغاصب لم تزد ، ولم تنقص فإن زادت السوق لم تعتبر الزيادة لدخول الضرر بها على المغصوب منه وإن نقصت السوق لم يعتبر النقصان لدخول الضرر به على الغاصب فإذا قوم مصبوغا على ما وصفنا فإن كانت قيمته عشرين درهما فصاعدا أخذه المغصوب منه بزيادته [ ص: 197 ] التي لا حق للغاصب فيها ، وإن كانت قيمته أقل من عشرين درهما رجع على الغاصب بعد أخذه بقدر نقصه فلو قال الغاصب : أذنت لي في صبغه وأنكر المغصوب منه فالقول قول المغصوب منه مع يمينه ويرجع على الغاصب بقدر النقص فلو قال : أذنت لك ثم رجعت في الإذن قبل صبغك . وقال الغاصب : بل كنت إلى حين الصبغ على إذنك ففيه وجهان ذكرناهما في الرهن :

                                                                                                                                            أحدهما : أن القول قول المغصوب منه .

                                                                                                                                            والثاني : القول قول الغاصب . فأما إن اختلفا في الصبغ فقال المغصوب منه هو لي وقال الغاصب بل هو لي . فإن كان الصبغ مما يمكن استخراجه فالقول فيه قول الغاصب مع يمينه لأجل يده وإن كان مما لا يمكن استخراجه فالقول فيه قول المغصوب منه مع يمينه ؛ لأنه قد صار مستهلكا في الثوب فجرى مجرى أجزائه . فأما صباغ الثوب بالأجر إذا اختلف هو ورب الثوب في الصبغ فقال رب الثوب الصبغ لي وقال الصباغ الصبغ لي فإن كان الصباغ أجيرا منفردا فالقول قول رب الثوب في الصبغ وإن كان أجيرا مشتركا فالقول قول الصباغ . والفرق بينهما أن اليد في الأجير المنفرد لرب الثوب وفي المشترك للأجير .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية