الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون

                                                                                                                                                                                                                                      نزلت على ما روي عن مقاتل ، والكلبي في المستضعفين من المؤمنين بمكة ، أمروا بالهجرة عنها، وعلى هذا أكثر المفسرين، وعمم بعضهم الحكم في كل من لا يتمكن من إقامة أمور الدين كما ينبغي في أرض لممانعة من جهة الكفرة، أو غيرهم فقال: تلزمه الهجرة إلى أرض يتمكن فيها من ذلك، وروي هذا عن ابن جبير ، وعطاء ومجاهد ، ومالك بن أنس ، وقال مطرف بن الشخير: إن الآية عدة منه تعالى بسعة الرزق في جميع الأرض، وعلى القولين فالمراد بالأرض [ ص: 10 ] الأرض المعروفة، وعن الجبائي أن الآية عدة منه عز وجل بإدخال الجنة لمن أخلص له سبحانه العبادة وفسر الأرض بأرض الجنة، والمعول عليه ما تقدم، والفاء في ( فإياي ) فاء التسبب عن قوله تعالى: إن أرضي واسعة

                                                                                                                                                                                                                                      كما تقول: إن زيدا أخوك فأكرمه، وكذلك لو قلت: إنه أخوك فإن أمكنك فأكرمه، و(إياي) معمول لفعل محذوف يفسره المذكور، ولا يجوز أن يكون معمولا له لاشتغاله بضميره، وذلك المحذوف جزاء لشرط حذف وعوض عنه هذا المعمول، والفاء في ( فاعبدون ) هي الفاء الواقعة في الجزاء، إلا أنه لما وجب حذفه جعل المفسر المؤكد له قائما مقامه لفظا، وأدخل الفاء عليه، إذ لا بد منها للدلالة على الجزاء، ولا تدخل على معمول المحذوف، أعني إياي، وإن فرض خلوه عن فاء لتمحضه عوضا عن فعل الشرط، فتعين الدخول على المفسر، وأيضا ليطابق المذكور المحذوف من كل وجه، ولزم أن يقدر الفعل المحذوف العامل في (إياي) مؤخرا لئلا يفوت التعويض عن فعل الشرط مع إفادة ذلك معنى الاختصاص والإخلاص، فالمعنى: إن أرضي واسعة، فإن لم تخلصوا إلي العبادة في أرض فأخلصوها لي في غيرها، وجعل الشرط إن لم تخلصوا، لدلالة الجواب المذكور عليه، ولا منع من أن تكون الفاء الأولى واقعة في جواب شرط آخر ترشيحا للسببية على معنى أن أرضي واسعة، وإذا كان كذلك فإن لم تخلصوا لي إلخ، وقيل: الفاء الأولى جواب شرط مقدر، وأما الثاني فتكرير ليوافق المفسر المفسر، فيقال حينئذ: المعنى إن أرضي واسعة إن لم تخلصوا لي العبادة في أرض فأخلصوها لي في غيرها، وتكون جملة الشرط المقدرة أعني إن لم تخلصوا إلخ، مستأنفة عرية عن الفاء، وما تقدم أبعد مغزى. وجعل بعض المحققين الفاء الثانية لعطف ما بعدها على المقدر العامل في (إياي) قصدا لنحو الاستيعاب كما في: خذ الأحسن فالأحسن. وتعقب بأنه حينئذ لا يصلح المذكور مفسرا لعدم جواز تخلل العاطف بين مفسر ومفسر البتة، وأما ما ذكره الإمام السكاكي في قوله تعالى: فإياي فارهبون [النحل: 51] من أن الفاء عاطفة والتقدير: فإياي ارهبوا فارهبون، فإنه أراد به أنها في الأصل كذلك لا في الحال، على ما حققه صاحب الكشف، هذا وقد أطالوا الكلام في هذا المقام، وقد ذكرنا جملة منه في أوائل تفسير سورة البقرة، فراجعه مع ما هنا، وتأمل، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية