الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا تؤخذ زكاة الثمار إلا بعد أن تجفف ، لحديث عتاب بن أسيد " { في الكرم يخرص كما يخرص النخل ، ثم تؤدى زكاته زبيبا ، كما تؤدى زكاة النخل تمرا } " فإن أخذ الرطب وجب رده ، وإن فات وجب رد قيمته ، ومن أصحابنا من قال : يجب رد مثله والمذهب الأول ; لأنه لا مثل له ; لأنه يتفاوت ، ولهذا لا يجوز بيع بعضه ببعض ، فإن كانت الثمار نوعا واحدا أخذ الواجب منه لقوله عز وجل : " { أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض } ، وإن كانت أنواعا [ قليلة ] أخذ من أوسطها لا من النوع الجيد ، ولا من النوع الرديء ; لأن أخذها من كل صنف [ بقسطه ] يشق فأخذ الوسط ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : حديث عتاب سبق في أول الباب ، وقد سبق في فصل وقت وجوب العشر أنه لا يجب الإخراج إلا بعد الجفاف في الثمار وبعد التصفية في الحبوب ، وأن مؤنة ذلك كله تكون على رب المال لا تحسب من جملة مال الزكاة بل تجب من خالص مال المالك ، وسبق هناك أنه إذا أخذ الرطب وجب رده ، فإن فات غرمه بقيمته على المذهب . . وبه قال الجمهور . وقيل بمثله . وسبق هناك أن الخلاف مبني على أن الرطب مثلي أم لا . وهو المذهب قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله : فإن كان الذي يملكه من الثمار والحبوب نوعا واحدا أخذت منه الزكاة . فإن أخرج أعلى منه من جنسه أجزأه ، وقد زاد خيرا ، وإن أخرج دونه لم يجزئه لقوله تعالى { : ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } وإن اختلفت أنواعه ولم يعسر إخراج الواجب من كل نوع بالحصة بأن كانت نوعين أو ثلاثة أخذ من كل نوع بالحصة هكذا قاله الأصحاب ونص عليه الشافعي رضي الله عنه في الأم . ونقل القاضي أبو الطيب في المجرد اتفاق الأصحاب عليه ، واحتج له أبو علي الطبري في الإفصاح والقاضي وسائر الأصحاب بأنه لا يشق ذلك مع أنه الأصل ، فوجب العمل به بخلاف نظيره في المواشي على قول ; لأن التشقيص محذور في الحيوان دون الثمار . وذكر القاضي أبو القاسم بن كج [ ص: 467 ] في الثمار قولين كالمواشي ( أحدهما ) : الأخذ من الأغلب ، ( وأصحهما ) : الأخذ من كل نوع بقسطه ، والمذهب القطع بالأخذ بالقسط من الثمار .

                                      وأما إذا عسر الأخذ من كل نوع بأن كثرت وقل ثمرها ، ففيه طريقان حكاهما القاضي أبو الطيب في المجرد وآخرون ( أصحهما ) : القطع بأنه يأخذ الوسط لا الجيد ولا الرديء رعاية للجانبين ، وبهذا قطع المصنف والجمهور وهو المنصوص في المختصر . ونقل إمام الحرمين اتفاق الأصحاب عليه ، ( والثاني ) : فيه ثلاثة أوجه حكاها أبو علي الطبري في الإفصاح والقاضي أبو الطيب في المجرد والسرخسي في الأمالي وآخرون ( أصحها ) : يخرج من الوسط ( والثاني ) : يؤخذ من كل نوع بقسطه ; لأنه الأصل .

                                      ( والثالث ) : من الأغلب وحكاه صاحب الحاوي وغيره أيضا ، فإذا قلنا بالمذهب وهو إخراج الوسط فتكلف المشقة وأخرج من كل نوع بقسطه جاز ولزم الساعي قبوله ، وهذا لا خلاف فيه . قال البندنيجي وغيره : وهو أفضل ; والله تعالى أعلم . ( فرع ) : ذكر الشيخ أبو محمد الجويني في كتاب الزكاة من كتابه ( الفروق ) أن تمر المدينة مائة وعشرون نوعا : ستون أحمر وستون أسود .




                                      الخدمات العلمية