الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المسند .


97 - والمسند المرفوع أو ما قد وصل لو مع وقف وهو في هذا يقل      98 - والثالث الرفع مع الوصل معا
شرط به الحاكم فيه قطعا

.

وقدم على ما بعده نظرا للقول الأول والأخير فيه ، ( والمسند ) كما قاله أبو عمر [ ص: 133 ] بن عبد البر في التمهيد : هو ( المرفوع ) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، وقد يكون متصلا ; كمالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو منقطعا ; كمالك ، عن الزهري ، عن ابن عباس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهو وإن كان منقطعا - لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس - فهو مسند ; لأنه قد أسند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قلت : ونحوه قول ابن أبي حاتم : سئل أبي : أسمع زرارة بن أوفى عبد الله بن سلام ؟ فقال : ما أراه سمع منه ، ولكنه يدخل في المسند ، وعلى هذا فهما - أعني المسند والمرفوع - على القول المعتمد فيه ، كما صرح به ابن عبد البر - شيء واحد ، والانقطاع يدخل عليهما جميعا ، ويلزم من ذلك أيضا شموله المرسل والمعضل ، قال شيخنا : وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلتهم بين المرسل والمسند ، فيقولون : أسنده فلان ، وأرسله فلان . انتهى .

ويأتي فيه ما سلف قريبا في مقابلة المرفوع بالمرسل ، وممن اقتضى صنيعه أن المسند المرفوع ، الدارقطني ، فقد نقل الحاكم عنه أنه قال في سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية الثقفي : إنه ليس بالقوي ، يحدث بأحاديث يسندها ، وغيره يوقفها .

( أو ) المسند ( ما قد وصل ) إسناده و ( لو ) كان الوصل ( مع وقف ) على الصحابي أو غيره ، وهذا هو القول الثاني ، وعليه فالمسند والمتصل سواء ; لإطلاقهما على كل من المرفوع والموقوف ، ولكن الأكثر استعمالا المسند في الأول .

كما قاله الخطيب ، فإنه بعد أن عزا في الكفاية ، لأهل الحديث أنه الذي [ ص: 134 ] اتصل إسناده بين راويه وبين من أسند عنه ، قال : إلا أن أكثر استعمالهم له فيما أسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة .

( وهو ) أي : المسند ( في هذا ) أي : فيما وقف على الصحابة وغيرهم ( يقل ) أي : قليل ، وحينئذ فافتراقهما من جهة أن استعمال المتصل في المرفوع والموقوف على حد سواء ، بخلاف المسند فاستعماله في المرفوع أكثري دون الموقوف .

ثم إن في كلام الخطيب الذي قد أقره ابن الصلاح عليه إشعارا باستعمال المسند قليلا في المقطوع ، بل وفي قول من بعد التابعي ، وصريح كلامهم يأباه .

( و ) القول ( الثالث ) إنه ( الرفع ) أي : المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ( مع الوصل ) أي : مع اتصال إسناده ( معا ) كما حكاه ابن عبد البر في التمهيد عن قوم وهو ( شرط به ) الحافظ أبو عبد الله النيسابوري ( الحاكم ) صاحب ( المستدرك ) في كتابه ( علوم الحديث ) ، ( فيه ) أي : في المسند ( قطعا ) حيث لم يحك فيه - كما قال ابن الصلاح - غيره ، وكأن الناظم إنما أخره تبعا لأصله لا لضعفه ; فإنه هو الصحيح كما قال شيخنا ، وأشعر به تمريض ابن دقيق العيد للأول ، وتقديمه لهذا عليه .

وقال المحب الطبري في " المعتصر " أيضا : إنه أصح ; إذ لا تمييز إلا به ، [ ص: 135 ] يعني لكون قائله لحظ فيه الفرق بينه وبين المتصل والمرفوع ، من حيثية أن المرفوع ينظر فيه إلى حال المتن ، مع قطع النظر عن الإسناد اتصل أم لا ، والمتصل ينظر فيه إلى حال الإسناد ، مع قطع النظر عن المتن مرفوعا كان أو موقوفا ، والمسند ينظر فيه إلى الحالين معا ، فيجمع شرطي الاتصال والرفع ، فيكون بينه وبين كل من الرفع والاتصال عموم وخصوص مطلق ، فكل مسند مرفوع ، وكل مسند متصل ، ولا عكس فيهما .

هذا مع أن شيخنا قال ما نصه : والذي يظهر لي بالاستقراء من كلام أئمة الحديث وتصرفهم أن المسند هوما أضافه من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه بسند ظاهره الاتصال .

قال : فـ " من سمع " أعم من أن يكون صحابيا ، أو تحمل في كفره وأسلم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكنه يخرج من لم يسمع ; كالمرسل ، والمعضل .

و " بسند " يخرج ما كان بلا سند ، كقول القائل من المصنفين : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن هذا من قبيل المعلق .

و " ظهور الاتصال " يخرج المنقطع ، لكن يدخل فيه الانقطاع الخفي كعنعنة المدلس ، والنوع المسمى بالمرسل الخفي ، ونحوهما مما ظاهره الاتصال ، وقد يفتش فيوجد منقطعا .

واستشهد للأخير بأن لفظ الحاكم : المسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه ليس يحتمله ، وكذلك سماع شيخه من شيخه متصلا إلى صحابي مشهور إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه نظر .

فالظاهر أن قوله : " ليس يحتمله " يخرج عنعنة المدلس ، خصوصا وقد صرح الحاكم بعد باشتراط عدم التدليس في رواته .

ولكن الواقع أن أصحاب المسانيد من الأئمة لا يتحامون فيها تخريج معنعنات المدلسين ، ولا أحاديث من ليس له من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا مجرد الرؤية ، من غير نكير ، بل عبارة الخطيب : " واتصال الإسناد فيه أن يكون كل واحد من رواته سمعه ممن فوقه ، حتى ينتهي إلى آخره ، وإن لم يبين فيه السماع ، بل اقتصر على العنعنة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية