الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              المسألة السادسة

              الأحكام الخمسة إنما تتعلق بالأفعال ، والتروك بالمقاصد ، فإذا عريت عن المقاصد ; لم تتعلق بها ، والدليل على ذلك أمور :

              أحدها : ما ثبت من أن الأعمال بالنيات ، وهو أصل متفق عليه في [ ص: 235 ] الجملة ، والأدلة عليه لا تقصر عن مبلغ القطع ، ومعناه أن مجرد الأعمال من حيث هي محسوسة فقط غير معتبرة شرعا على حال ; إلا ما قام الدليل على اعتباره في باب خطاب الوضع خاصة ، أما في غير ذلك ; فالقاعدة مستمرة ، وإذا لم تكن معتبرة حتى تقترن بها المقاصد ; كان مجردها في الشرع بمثابة حركات العجماوات ، والجمادات ، والأحكام الخمسة لا تتعلق بها عقلا ، ولا سمعا ، فكذلك ما كان مثلها .

              والثاني : ما ثبت من عدم اعتبار الأفعال الصادرة من المجنون ، والنائم ، والصبي ، والمغمى عليه ، وأنها لا حكم لها في الشرع بأن يقال فيها : جائز أو ممنوع أو واجب أو غير ذلك ; كما لا اعتبار بها من البهائم .

              وفي القرآن وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم [ الأحزاب : 5 ] .

              وقال : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ البقرة : 286 ] .

              قال : قد فعلت .

              [ ص: 236 ] وفي معناه روي الحديث : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه ، وإن لم يصح سندا ; فمعناه متفق على صحته .

              [ ص: 237 ] وفي الحديث أيضا : رفع القلم عن ثلاث فذكر الصبي حتى يحتلم ، والمغمى عليه حتى يفيق ; فجميع هؤلاء لا قصد لهم ، وهي العلة في رفع أحكام التكليف عنهم .

              والثالث : الإجماع على أن تكليف ما لا يطاق غير واقع في الشريعة ، وتكليف من لا قصد له تكليف ما لا يطاق .

              فإن قيل : هذا في الطلب ، وأما المباح فلا تكليف فيه ، قيل : متى صح تعلق التخيير ، صح تعلق الطلب ، وذلك يستلزم قصد المخير ، وقد فرضناه غير قاصد ، هذا خلف .

              ولا يعترض هذا بتعلق الغرامات والزكاة بالأطفال ، والمجانين ، وغير ذلك ; لأن هذا من قبيل خطاب الوضع ، وكلامنا في خطاب التكليف ، ولا [ ص: 238 ] بالسكران ; لقوله تعالى : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى [ النساء : 43 ] ; فإنه قد أجيب عنه في أصول الفقه ، ولأنه في عقوده وبيوعه محجور عليه لحق نفسه كما حجر على الصبي والمجنون ، وفي سواهما ، لما أدخل السكر على نفسه ; كان كالقاصد لرفع الأحكام التكليفية ; فعومل بنقيض المقصود ، أو لأن الشرب سبب لمفاسد كثيرة ، فصار استعماله له تسببا في تلك المفاسد ، فيؤاخذه الشرع بها ، وإن لم يقصدها كما وقعت مؤاخذة أحد ابني آدم بكل نفس تقتل ظلما ، وكما يؤاخذ الزاني بمقتضى المفسدة في اختلاط الأنساب ، وإن لم يقع منه غير الإيلاج المحرم ، ونظائر ذلك كثيرة ، فالأصل صحيح ، والاعتراض عليه غير وارد .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية