الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ونزع خف ) ولو واحدا ( ومضي ) المدة وإن لم يمسح ( إن لم يخش ) بغلبة الظن ( وذهاب رجله من برد ) [ ص: 276 ] للضرورة ، فيصير كالجبيرة فيستوعبه بالمسح ولا يتوقف ، ولذا قالوا : لو تمت المدة وهو في صلاته ولا ماء مضى في الأصح ، وقيل تفسد ويتيمم وهو الأشبه

التالي السابق


مطلب نواقض المسح ( قوله ونزع خف ) أراد به ما يشمل الانتزاع ، وإنما نقض لسراية الحدث إلى القدم عند زوال المانع ( قوله ولو واحدا ) ; لأن الانتفاض لا يتجزأ ، وإلا لزم الجمع بين الغسل والمسح ، وأشار إلى المراد بالخف الجنس الصادق بالواحد والاثنين ( قوله ومضي المدة ) للأحاديث الدالة على التوقيت . ثم إن الناقض في هذا والذي قبله حقيقة هو الحدث السابق ، لكن لظهوره عندهما أضيف النقض إليهما مجازا بحر ( قوله وإن لم يمسح ) أي إذا لبس الخف ثم أحدث بعده ثم مضت المدة بعد الحدث ولم يمسح فيها ليس له المسح ( قوله إن لم يخش إلخ ) يعني إذا انقضت مدة المسح وهو مسافر ويخاف ذهاب رجله من البرد لو نزع خفيه جاز المسح ، كذا في الكافي وعيون المذاهب . ا هـ . درر . قال ح : ومفهومه أنه إن خشي لا ينتقض بالمضي ، بل إن أحدث بعد ذلك فتوضأ يعمهما بالمسح كالجبيرة ، وعدم الانتقاض بالمضي مع الخوف في هذه نظير عدم بطلان الصلاة الذي هو الأصح في مسألة مضي المدة في الصلاة مع عدم الماء . ا هـ .

أقول : وظاهره أنه إذا مضت المدة ولم يحدث يبقى حكم مسحه السابق فلا يلزمه تجديد المسح ، ويؤيده مسألة الصلاة الآتية حيث يمضي فيها ، وكذا ما في السراج عن الوجيز : إذا انقضت ، لكن في المعراج : لو مضت وهو يخاف البرد على رجله يستوعبه بالمسح كالجبائر ويصلي ، وعليه فعدم الانتقاض المفهوم من المتن معناه عدم لزوم الغسل وجواز المسح بعد ذلك ، فلا ينافي حكم المسح السابق ، وهذا هو المفهوم من عبارة الدرر المارة . فالحاصل أن المسألة مصورة فيما إذا مضت مدة المسح وهو متوضئ وخاف إن نزع الخف لغسل رجليه من البرد وإلا أشكل تصوير المسألة ; لأنه إذا خاف على رجليه يلزم منه الخوف على بقية الأعضاء فإنها ألطف من الرجلين ، وإذا خاف ذلك يكون عاجزا عن استعمال الماء فيلزمه العدول إلى التيمم بدلا عن الوضوء بتمامه ، ولا يحتاج إلى مسح الخف أصلا مع التيمم حيث تحققت الضرورة المبيحة له ، إلا أن يجاب عن الإشكال بأنهم بنوا ذلك على ما قالوه من أنه لا يصح التيمم لأجل الوضوء وقدمنا ما فيه في بابه فراجعه . [ ص: 276 ] هذا ، وقال ح أيضا : والذي ينبغي أن يفتى به في هذه المسألة انتقاض المسح بالمضي واستئناف مسح آخر يعم الخف كالجبائر ; وهو الذي حققه في فتح القدير . ا هـ .

أقول : الذي حققه في البدائع بحثا لزوم التيمم دون المسح فإنه بعد ما نقل عن جوامع الفقه والمحيط أنه إن خاف البرد فله أن يمسح مطلقا أي بلا توقيت . قال ما نصه : فيه نظر ، فإن خوف البرد لا أثر له في منع السراية ، كما أن عدم الماء لا يمنعها ، فغاية الأمر أنه لا ينزع ، لكن لا يمسح بل يتيمم لخوف البرد . ا هـ وأقره في شرح المنية وأطنب في حسنه ; وهو صريح في انتقاض المسح لسراية الحدث ، فلا يصلي به إلا بعد التيمم لا المسح ، ولكن المنقول هو المسح لا التيمم كما مر عن الكافي وعيون المذاهب والجوامع والمحيط ، وبه صرح الزيلعي وقاضي خان والقهستاني عن الخلاصة ، وكذا في التتارخانية والولوالجية والسراج عن المشكل ، وكذا في مختارات النوازل لصاحب الهداية ، وبه صرح أيضا في المعراج والحاوي القدسي بزيادة جعله كالجبيرة ، وعليه مشى في الإمداد . وقد قال العلامة قاسم : لا عبرة بأبحاث شيخنا يعني ابن الهمام إذا خالفت المنقول فافهم ( قوله للضرورة ) علة لعدم النقض المفهوم من قوله إن لم يخش ( قوله فيستوعبه ) أي على ما هو الأولى أو أكثره ، وهذا إنما يتم إذا كان مسمى الجبيرة يصدق عليه . ا هـ فتح .

وأجاب في البحر بأن مفاد ما في المعراج الاستيعاب ، وأنه ملحق بالجبائر لا جبيرة حقيقة . ا هـ أي فالمراد بتشبيهه بالجبيرة بالاستيعاب لمنع كونه مسح خف لا أنه جبيرة حقيقة ليجوز مسح أكثره ( قوله مضى في الأصح ) كذا في الخانية معللا بأنه لا فائدة في النزع ; لأنه للغسل ا هـ وعلى هذا فالمستثنى من النقض بمضي المدة مسألتان : وهما إذا خاف البرد أو كان في الصلاة ولا ماء كما في السراج ( قوله وهو الأشبه ) قال الزيلعي : واستظهره في البدائع بأن عدم الماء لا يصلح منعا لسراية الحدث بعد تمام المدة فيتيمم مآلا للرجلين بل للكل ; لأن الحدث لا يتجزأ كمن غسل ابتداء الأعضاء إلا رجليه وفني الماء فيتيمم للحدث القائم به فإنه على حاله ما لم يتم الكل وتمامه فيه ، وهو تحقيق حسن فرع عليه في البدائع ما قاله في المسألة الأولى ، لكن علمت الفرق بينهما ، وهو أنه يلزم عليه صحة التيمم في الوضوء لخوف البرد ، أما هنا فإنه لفقد الماء وهو جائز بخلافه هناك




الخدمات العلمية