الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ( 32 ) )

يقول تعالى ذكره : هذا الذي ذكرت لكم أيها الناس وأمرتكم به من اجتناب الرجس من الأوثان واجتناب قول الزور حنفاء لله ، وتعظيم شعائر الله ، وهو استحسان البدن واستسمانها وأداء مناسك الحج على ما أمر الله جل ثناؤه ، من تقوى قلوبكم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : ثنا محمد بن زياد ، عن محمد بن أبي ليلى ، عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس ، في قوله : ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) قال : استعظامها ، واستحسانها ، واستسمانها .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام عن عنبسة عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد ، في قوله : ( ومن يعظم شعائر الله ) قال : الاستسمان والاستعظام . [ ص: 622 ] وبه عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد مثله ، إلا أنه قال : والاستحسان .

حدثنا عبد الحميد بن بيان الواسطي ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن أبي بشر ، وحدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( ومن يعظم شعائر الله ) قال : استعظام البدن ، واستسمانها ، واستحسانها .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن محمد بن أبي موسى ، قال : الوقوف بعرفة من شعائر الله ، وبجمع من شعائر الله ، ورمي الجمار من شعائر الله ، والبدن من شعائر الله ، ومن يعظمها فإنها من شعائر الله في قوله : ( ومن يعظم شعائر الله ) فمن يعظمها فإنها من تقوى القلوب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ومن يعظم شعائر الله ) قال : الشعائر : الجمار ، والصفا والمروة من شعائر الله ، والمشعر الحرام والمزدلفة ، قال : والشعائر تدخل في الحرم ، هي شعائر ، وهي حرم .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن تعظيم شعائره ، وهي ما حمله أعلاما لخلقه فيما تعبدهم به من مناسك حجهم ، من الأماكن التي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها والأعمال التي ألزمهم عملها في حجهم : من تقوى قلوبهم; لم يخصص من ذلك شيئا ، فتعظيم كل ذلك من تقوى القلوب ، كما قال جل ثناؤه; وحق على عباده المؤمنين به تعظيم جميع ذلك . وقال : ( فإنها من تقوى القلوب ) وأنث ولم يقل : فإنه ، لأنه أريد بذلك : فإن تلك التعظيمة مع اجتناب الرجس من الأوثان من تقوى القلوب ، كما قال جل ثناؤه : ( إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) . وعنى بقوله : ( فإنها من [ ص: 623 ] تقوى القلوب ) فإنها من وجل القلوب من خشية الله ، وحقيقة معرفتها بعظمته وإخلاص توحيده .

التالي السابق


الخدمات العلمية