الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حد السرقة والقاطع فيها وحد قاطع الطريق وحد الزاني

حد السرقة أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم } ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة والعمري عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { القطع في ربع دينار فصاعدا } ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم } ( قال الشافعي ) فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 159 ] على من أراد الله قطعه من السراق البالغين غير المغلوبين وهذا مكتوب في باب غير هذا ودلت على من أراد قطعه فكان من بلغت سرقته ربع دينار فصاعدا وحديث ابن عمر موافق لحديث عائشة ; لأن ثلاثة دراهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده ربع دينار ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن أن سارقا سرق أترجة في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه فأمر بها عثمان فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار فقطع يده قال مالك هي الأترجة التي يأكلها الناس ( قال الشافعي ) فحديث عثمان يدل على ما وصفت من أن الدراهم كانت اثنا عشر بدينار ، وكذلك أقام عمر الدية اثني عشر ألف درهم ويدل حديث عثمان على أن القطع في الثمر الرطب صلح بيبس أو لم يصلح ; لأن الأترج لا ييبس فكل ما له ثمن هكذا يقطع فيه إذا بلغ قيمته ربع دينار مصحفا كان أو سيفا أو غيره مما يحل ثمنه فإن سرق خمرا أو خنزيرا لم يقطع ; لأن هذا حرام الثمن ولا يقطع في ثمن الطنبور ولا المزمار ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن حميد الطويل أنه سمع قتادة يسأل أنس بن مالك عن القطع فقال أنس حضرت أبا بكر الصديق قطع سارقا في شيء ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم .

( قال الشافعي ) أخبرنا غير واحد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال القطع في ربع دينار فصاعدا .

( قال الشافعي ) فبهذا كله نأخذ فإذا أخذ سارق قومت سرقته في اليوم الذي سرقها فيه فإن بلغت قيمتها ربع دينار قطع وإن نقصت عن ربع دينار لم يقطع ولو حبس لتثبت البينة عليه وكانت يوم سرقها لا تسوى ربع دينار فلم تصح البينة حتى صارت تسوى ربعا لم يقطع ولو قومت يوم سرقها بربع دينار فحبس لتصح عليه البينة فرخصت حتى صارت لا تسوى ربع دينار قطع ; لأن القيمة يوم سرق ولا يلتفت إلى ما بعد سرقته من غلاء السلعة ورخصها وما سرق من طعام رطب أو يابس أو خشب أو غيره مما يحوزه الناس في ملكهم يسوى ربع دينار قطع والأصل ربع دينار فلو غلت الدراهم حتى يكون درهمان بدينار قطع في ربع دينار وإن كان ذلك نصف درهم ولو رخصت حتى يصير الدينار بمائة درهم قطع في ربع دينار وذلك خمسة وعشرون درهما وإنما الدراهم سلعة كالثياب والنعم وغيرها فلو سرق ربع دينار أو ما يسوى ربع دينار أو ما يسوى عشر شياه كان يقطع في الربع وقيمته عشر شياه وكذلك لو سرق ما يسوى ربع دينار وذلك ربع شاة كان إنما يقطع في ربع الدينار وإذا كان الأصل الدينار فالدراهم عرض من العروض لا ينظر إلى رخصها ولا إلى غلائها والدينار الذي يقطع في ربعه المثقال فلو كان يجوز ببلد أنقص منه لم يقطع حتى يكون سرق ما يسوى ربع دينار مثقالا ; لأنه الوزن الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقطع حتى يكون سرق من حرز ويكون بالغا يعقل . .

التالي السابق


الخدمات العلمية