الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل - إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ؛ قيل: إنه أول مسجد وضع للناس؛ وقيل: إنه أول بيت وضع للحج؛ ويقال: إنه البيت المعمور؛ وإن الملائكة كانت تحجه من قبل آدم؛ وإنه البيت العتيق؛ فأما بناؤه فلا شك أن إبراهيم بناه؛ قال الله (تعالى): وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا ؛ أي: " يقولان: ربنا تقبل منا " . [ ص: 445 ] فأما المقدس فسليمان بناه؛ وخبر " إن " ؛ هو " للذي ببكة " ؛ وهذه لام التوكيد؛ وقيل: إن " بكة " ؛ موضع البيت؛ وسائر ما حوله مكة ؛ والإجماع أن " بكة " ؛ و " مكة " : الموضع الذي يحج الناس إليه؛ وهي البلدة؛ قال الله - عز وجل -: ببطن مكة ؛ وقال: للذي ببكة مباركا ؛ فأما اشتقاقه في اللغة؛ فيصلح أن يكون الاسم اشتق من " البك " ؛ وهو: بك الناس بعضهم بعضا في الطواف؛ أي: دفع بعضهم بعضا؛ وقيل: إنما سميت ب " بكة " ؛ لأنها تبك أعناق الجبابرة؛ ونصب " مباركا " ؛ على الحال؛ المعنى: الذي بمكة في حال بركته؛ وهدى للعالمين ؛ يجوز أن يكون " هدى للعالمين " ؛ في موضع " رفع " ؛ المعنى: وهو هدى للعالمين؛ فأما " مكة " ؛ بالميم؛ فتصلح أن يكون اشتقاقها كاشتقاق " بكة " ؛ والميم تبدل من الباء؛ يقال: " ضربة لازب؛ ولازم " ؛ ويصلح أن يكون الاشتقاق من قولهم: " امتك الفصيل ما في ضرع الناقة " ؛ إذا مص مصا شديدا؛ حتى لا يبقي فيه شيئا؛ فتكون سميت بذلك لشدة الازدحام فيها؛ والقول الأول - أعني البدل - أحسن؛ ومعنى " أول " ؛ في اللغة؛ على الحقيقة: ابتداء الشيء؛ فجائز أن يكون المبتدأ له آخر؛ وجائز ألا يكون له آخر؛ فالواحد أول العدد؛ والعدد غير متناه؛ ونعيم الجنة أول؛ وهو غير منقطع؛ وقولك: " هذا أول مال كسبته " ؛ جائز ألا يكون [ ص: 446 ] بعده كسب؛ ولكن إرادتك: " هذا ابتداء كسبي " ؛ ولو قال قائل: " أول عبد أملكه فهو حر " ؛ فملك عبدا؛ أعتق ذلك العبد؛ لأنه قد ابتدأ الملك؛ فجائز أن يكون " أول بيت " ؛ هو البيت الذي لم يكن الحج إلى غيره.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية