الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في صلاة العيدين، والغسل لها ومن المخاطب بها ؟

                                                                                                                                                                                        صلاة العيدين -الفطر والأضحى- سنة على من هو مخاطب بالجمعة، وهم الرجال الأحرار المقيمون، واختلف فيمن سواهم من النساء والعبيد والصبيان والمسافرين وأهل القرى الذين لا تجب عليهم جمعة، فقال مالك في المدونة: في النساء والعبيد والإماء: لا تجب عليهم ولا يؤمرون بالخروج إلى العيدين، وقال في العتبية: إنما يجمع في العيدين من تلزمهم الجمعة، فعلى هذا تسقط عن المسافرين، وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: صلاة العيدين سنة لجميع المسلمين النساء، والعبيد، والمسافرين، ومن عقل الصلاة من الصبيان، ويلزم هؤلاء أن يصلوها في بيوتهم وحيث شاؤوا وإن لم يشهدوها في جماعة.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: تلزم أهل القرى الصغار قياسا على قوله في المسافرين.

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول بسقوطها عن هؤلاء على ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        فقيل: لمن شاء أن يتطوع بالصلاة بها فذا أو جماعة.

                                                                                                                                                                                        وقيل: لا يتطوع بها بحال. [ ص: 628 ]

                                                                                                                                                                                        وقيل: يتطوع بها جماعة ولا يتطوع بها فذا. فقال مالك في المدونة فيمن فاتته الصلاة مع الإمام: إن شاء صلى وإن شاء لم يصل، وإن صلى فليصل مثل صلاة الإمام ويكبر مثل تكبيره في الأولى والثانية، وقال في النساء إذا لم يشهدن العيد: فإن صلين فيصلين أفذاذا.

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا يصليها المسافرون وأهل القرى الصغار، إن شاؤوا أفذاذا وإن شاؤوا جماعة بغير خطبة عليهم، وقال ابن القاسم في العتبية: إن شاء من لا تجب عليهم الجمعة أن يصلوها بإمام فعلوا، ولكن لا خطبة عليهم، وإن خطب فحسن، واستحب ذلك أشهب، وهذا كله أصل واحد أنه يؤتى بها بعد سقوطها، قال ابن القاسم: ورأيته يستحب أن تصلى.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في المبسوط في الإمام يكون في السفر فتحضره صلاة الفطر والأضحى قال: ليس ذلك عليهم، ولم أسمع أحدا ممن مضى صلى الفطر والأضحى وهو مسافر، وقال أيضا: ليس ذلك عليهم لا جماعة ولا فرادى، ولم أسمع أحدا ممن مضى صنع ذلك، وعند ابن شعبان في قرية فيها عشرون رجلا: لا أرى أن يصلوا صلاة العيد، ولا يصليها إلا من تجب عليهم صلاة [ ص: 629 ] الجمعة، فمنع في هذين القولين أن يتطوع بالصلاة بها جماعة، وفي القول الآخر ولا فرادى.

                                                                                                                                                                                        وجعلها ابن حبيب على كل من يصلي; لحديث أم عطية قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة العيدين أن نخرج العواتق وذوات الخدور والحيض، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب فقال -صلى الله عليه وسلم-: لتلبسها أختها من جلبابها" أخرجه البخاري ومسلم.

                                                                                                                                                                                        ورأى مالك أنها لا تكون أعلى رتبة من الجمعة; لأنها صلاة يجتمع لها الناس بموضع واحد، وهي ركعتان جهرا، ويخطب لها، ثم لم تجب على كل من هو مخاطب بالصلاة، فكذلك العيدان، ومحمل حديث أم عطية في الأمر بخروج النساء على الندب بدليل الأمر بالحيض، ولا يختلف أن ذلك غير واجب عليهن. قال مالك: ولا أحب أن يسافر أحد حتى يصليها. [ ص: 630 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية