الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                ومما قد يغلط فيه الناس : اعتقاد بعضهم أنه يستحب صلاة العيد بمنى يوم النحر حتى قد يصليها بعض المنتسبين إلى الفقه أخذا فيها بالعمومات اللفظية أو القياسية . وهذه غفلة عن السنة ظاهرة . فإن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يصلوا بمنى عيدا قط . وإنما صلاة العيد بمنى هي جمرة العقبة . فرمي جمرة العقبة لأهل الموسم بمنزلة صلاة العيد لغيرهم ولهذا استحب أحمد أن تكون صلاة أهل الأمصار وقت النحر بمنى . ولهذا خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر [ ص: 171 ] بعد الجمرة كما كان يخطب في غير مكة بعد صلاة العيد ورمي الجمرة تحية منى كما أن الطواف تحية المسجد الحرام .

                ومثل هذا ما قاله طائفة - منهم ابن عقيل - أنه يستحب للمحرم إذا دخل المسجد الحرام : أن يصلي تحية المسجد كسائر المساجد . ثم يطوف طواف القدوم أو نحوه . وأما الأئمة وجماهير الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم : فعلى إنكار هذا .

                أما أولا : فلأنه خلاف السنة المتواترة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه . فإنهم لما دخلوا المسجد لم يفتتحوا إلا بالطواف ثم الصلاة عقب الطواف .

                وأما ثانيا : فلأن تحية المسجد الحرام : هي الطواف . كما أن تحية المساجد هي الصلاة .

                وأشنع من هذا : استحباب بعض أصحاب الشافعي لمن سعى بين الصفا والمروة أن يصلي ركعتين بعد السعي على المروة قياسا على الصلاة بعد الطواف . وقد أنكر ذلك سائر العلماء من أصحاب الشافعي وسائر الطوائف ورأوا أن هذه بدعة ظاهرة القبح . فإن السنة مضت بأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه طافوا وصلوا كما ذكر الله الطواف والصلاة . ثم سعوا ولم يصلوا عقب السعي فاستحباب [ ص: 172 ] الصلاة عقب السعي كاستحبابها عند الجمرات أو بالموقف بعرفات أو جعل الفجر أربعا قياسا على الظهر . والترك الراتب : سنة كما أن الفعل الراتب : سنة بخلاف ما كان تركه لعدم مقتض أو فوات شرط أو وجود مانع وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلت الشريعة على فعله حينئذ كجمع القرآن في المصحف وجمع الناس في التراويح على إمام واحد . وتعلم العربية وأسماء النقلة للعلم وغير ذلك مما يحتاج إليه في الدين بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به وإنما تركه صلى الله عليه وسلم لفوات شرطه أو وجود مانع .

                فأما ما تركه من جنس العبادات مع أنه لو كان مشروعا لفعله أو أذن فيه ولفعله الخلفاء بعده والصحابة : فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة ويمتنع القياس في مثله وإن جاز القياس في النوع الأول . وهو مثل قياس " صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف " على الصلوات الخمس في أن يجعل لها أذانا وإقامة كما فعله بعض المراونية في العيدين . وقياس حجرته ونحوها من مقابر الأنبياء على بيت الله في الاستلام والتقبيل ونحو ذلك من الأقيسة التي تشبه قياس الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا : { إنما البيع مثل الربا } .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية