الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 48 ] ( 5 ) باب عقل الجراح في الخطأ 1586 - قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندهم في الخطأ أنه لا يعقل حتى يبرأ المجروح ويصح وأنه إن كسر عظم من الإنسان ، يد أو رجل أو غير ذلك من الجسد ، خطأ فبرأ وصح وعاد لهيئته فليس فيه عقل فإن نقص أو كان فيه عثل ففيه من عقله بحساب ما نقص منه .

                                                                                                                        36813 - قال مالك : فإن كان ذلك العظم مما جاء فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عقل مسمى ، فبحساب ما فرض فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - . وما كان مما لم يأت فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عقل مسمى ، ولم تمض فيه سنة ولا عقل مسمي ، فإنه يجتهد فيه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        36814 - قال أبو عمر : قوله كله صحيح حسن ، أما قوله : " إنه لا يعقل في الخطأ جرح المجروح حتى يبرأ " .

                                                                                                                        36815 - فعلى ذلك أكثر العلماء في العمد والخطأ ، وقالوا : لا يقاد من الجرح العمد ، ولا يعقل الخطأ حتى يصح ويبرأ .

                                                                                                                        36816 - قال ابن القاسم ، عن مالك : لا يقاد من جراحة عمدا ، إلا بعد البرء ، ولا يعقل الخطأ ، إلا بعد البرء .

                                                                                                                        36817 - وكذلك قال الثوري .

                                                                                                                        36818 - وقال الحسن بن صالح بن حي : يتربص بالسن بالجراح سنة ، [ ص: 49 ] مخافة أن ينتقص .

                                                                                                                        36819 - وقال أبو حنيفة ، فيمن كسر سن الرجل : لا أرش فيه حتى يحول عليه الحول ، فيحكم بما يؤول إليه أمره ، وكذلك الجراحات لا يقضي فيها بأرش حتى ينظر إلى ما تؤول .

                                                                                                                        36820 - وذكر المزني عن الشافعي : ولو قطع أصبع رجل ، فسأل المقطوع القود ساعة قطع ، أقدته ، فإن ذهبت كف المجني عليه ، جعلت على الجاني أرش أربعة أخماس ديتها ، ولو مات منها قتلته ، فإن قطع أصبعه ، فتآكلت ، فذهبت كفه ، أقدته من الأصبع ، وأخذ أرش يده ، إلا أصبعا ، ولم ينتظره ، أيبرأ إلى مثل جنايته أم لا ؟

                                                                                                                        36821 - قال أبو عمر : اتفق مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، وسائر الكوفيين ، والمدنيون على أنه لا يقتص من جرح ، ولا يبدى حتى يبرأ .

                                                                                                                        36822 - والاختيار ما قاله مالك ، ومن تابعه على ذلك ، وهم أكثر أهل العلم .

                                                                                                                        36824 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من مرسل عكرمة ، ومرسل محمد بن طلحة بن يزيد بن عمرو بن ركانة ، ومن مرسل عمرو بن شعيب .

                                                                                                                        36825 - ذكره عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد [ ص: 50 ] بن طلحة بن ركانة .

                                                                                                                        36826 - وعن معمر ، عن أيوب ، عن عمرو بن شعيب ، وعن ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب ، وعن معمر ، عن من سمع عكرمة : أن رجلا طعن رجلا بقرن في رجله ، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : أقدني . فقال : " حتى تبرأ " قال : أقدني قال : " حتى تبرأ " ثم قال : أقدني يا رسول الله ! فأقاده ، ثم عرج ، وصح المستقاد منه ، فجاء المستقيد ، فقال : عرجت يا رسول الله ، فقال : " لا شيء لك ، ألم أقل لك : اصبر حتى تبرأ ؟ ! " وفي رواية : " أبعدك الله ، وأبطل عرجك ، عصيتني ألا تستقيد حتى يبرأ جرحك " ثم : " أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جرح ألا يستقاد حتى يبرأ جرحه " .

                                                                                                                        36827 - وذكر هذا الخبر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني ابن علية ، عن أيوب ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستقيد ، فقال له : " حتى تبرأ " . فأبى ، وعجل ، واستقاد ، فعثمت رجله ، وبرئت رجل المستقاد منه ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ليس لك شيء ، أبيت " .

                                                                                                                        36828 - وروى الثوري ، عن عيسى بن المغيرة ، عن يزيد بن وهب ، [ ص: 51 ] أن عمر بن عبد العزيز ، كتب إلى طريف بن ربيعة ، وكان قاضيا بالشام ، أن صفوان بن المعطل ، ضرب حسان بن ثابت بالسيف فجاءت الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : القود ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تنتظرون ، فإن يبرأ صاحبكم ، تقصوا ، وإن يمت ، نقدكم بعد في حسان " . فقالت الأنصار : قد علمتم أن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في العفو ، فعفوا ، وأعطاهم صفوان جارية ، وهي أم عبد الرحمن بن حسان .

                                                                                                                        36829 - قال أبو عمر : هكذا في هذا الخبر ، أن صفوان بن المعطل ، أعطى حسان الجارية التي هي أم عبد الرحمن ، لما عفا عنه .

                                                                                                                        36830 - والمعروف عند أهل العلم بالخبر والسير ، وأكثر أهل الأثر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هو الذي أعطى حسان بن ثابت ، إذ عفا عن صفوان بن المعطل الجارية المسماة سيرين ، وهي أخت مارية القبطية ، وكانت من هدية المقوقس صاحب مصر والإسكندرية ، إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فوهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان سيرين ، فأولدها عبد الرحمن ابن سيرين ، واتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مارية لنفسه ، فولدت له إبراهيم ابنه .

                                                                                                                        36831 - وأما قوله : " إن كسر عظم من الإنسان ، يد أو رجل ، أو غير ذلك . . . " إلى آخر قوله ، فقد قال الشافعي ، فيما ذكر عنه المزني : في كل عظم [ ص: 52 ] كسر ، سواء السن ، فإذا جبر مستقيما ، ففيه حكومة بقدر الألم والشين ، فإن جبر معيبا بنقص أو عوج ، أو غير ذلك ، زيد فيه حكومة بقدر شينه وضره ، وألمه ، ولا يبلغ به دية العظم لو قطع .

                                                                                                                        36832 - وقول أبي حنيفة وأصحابه نحو ذلك .




                                                                                                                        الخدمات العلمية