الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4528 باب في فضائل عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما

                                                                                                                              ونحوه في النووي.

                                                                                                                              (التعريف بابن عمر)

                                                                                                                              وكان يكنى: "أبا عبد الرحمن".

                                                                                                                              [ ص: 547 ]

                                                                                                                              أسلم مع إسلام أبيه -بمكة- صغيرا. وهاجر مع أبيه، وأمه "زينب". ويقال: "رابطة بنت مظعون" أخت عثمان وقدامة، ابني مظعون. وهو ابن عشر.

                                                                                                                              وشهد المشاهد كلها -بعد بدر وأحد- واستصغر "يوم أحد" وشهد الخندق، وهو ابن خمس عشرة سنة.

                                                                                                                              وكان عالما مجتهدا، لزوما للسنة، فرورا من البدعة، ناصحا للأمة.

                                                                                                                              قال مالك: بلغ "عبد الله بن عمر": ستا وثمانين سنة. وأفتى في الإسلام "ستين سنة". ونشر "نافع" عنه: علما جما.

                                                                                                                              قال سفيان: وكان من عاداته: أنه إذا أعجبه شيء من ماله، تصدق به، وكان رقيقه عرفوا ذلك، فربما شمر أحدهم، ولزم المسجد، والإقبال على الطاعة، فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال: أعتقه.

                                                                                                                              فقيل له: إنهم يخدعونك. فقال: من خدعنا بالله انخدعنا له. وقال نافع: ما مات حتى أعتق: "ألف إنسان" أو زاد عليه.

                                                                                                                              (مولده ووفاته)

                                                                                                                              وكان مولده في السنة الثانية، أو الثالثة من المبعث.

                                                                                                                              وتوفي في أوائل سنة ثلاث وسبعين. وكان سبب موته: أن الحجاج دس له رجلا قد سم "زج رمحه" فزحمه في الطريق، وطعنه في ظهر قدمه.

                                                                                                                              [ ص: 548 ]

                                                                                                                              وقد أطال "الشيخ أحمد" ولي الله، المحدث، الدهلوي: في ترجمته، وفضائله، في أول كتاب "المصفى" شرح الموطأ. فراجعه.

                                                                                                                              وكان "رضي الله عنه": شديد الاتباع للسنة المطهرة، كثير الاجتناب من جميع البدع، لا يغادر صغيرا ولا كبيرا من الحديث إلا عمل به ما استطاع، ولا قليلا ولا كثيرا من المحدثات إلا محاه أو أفناه.

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 38، 39 ج16، المطبعة المصرية

                                                                                                                              ( عن ابن عمر قال: كان الرجل -في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم-: إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فتمنيت: أن أرى رؤيا، أقصها على النبي، صلى الله عليه وسلم. قال: وكنت غلاما، شابا، عزبا. وكنت أنام في المسجد، على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ فرأيت في النوم: كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية، كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر. وإذا فيها ناس، قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار. أعوذ بالله من النار. أعوذ بالله من النار. قال: فلقيهما ملك، فقال لي: لم ترع. فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل: عبد الله! لو كان يصلي من الليل".

                                                                                                                              [ ص: 549 ]

                                                                                                                              قال سالم: فكان عبد الله -بعد ذلك- لا ينام من الليل إلا قليلا).


                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما؛ (قال: كان الرجل) من الصحابة، "رضي الله عنهم" أجمعين: (في حياة رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ إذا رأى رؤيا، قصها على رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ فتمنيت: أن أرى رؤيا، أقصها على النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم. قال: وكنت غلاما، شابا، عزبا) بغير همز، وفتح العين. وهي الفصحى. أي: لا زوجة لي.

                                                                                                                              وفي بعض روايات البخاري: "أعزب" بالهمزة.

                                                                                                                              (وكنت أنام في المسجد، على عهد رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم).

                                                                                                                              فيه: دليل للشافعي وأصحابه، وموافقيهم: أنه لا كراهة في النوم في المسجد.

                                                                                                                              (فرأيت في النوم: كأن ملكين) قال الحافظ: لم أقف على تسميتهما. (أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر. وإذا لها قرنان كقرني البئر) وهما ما يبنى في جانبيها من حجارة، توضع عليها الخشبة التي تعلق فيها البكرة. قاله الخليل.

                                                                                                                              [ ص: 550 ]

                                                                                                                              ولفظ النووي: هما الخشبتان اللتان عليهما الخطاف. وهي الحديدة التي في جانب البكرة. قاله "ابن دريد".

                                                                                                                              (وإذا فيها ناس قد عرفتهم). قال الحافظ: لم أقف "في شيء من الطرق" على تسمية واحد منهم.

                                                                                                                              (فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار. أعوذ بالله من النار. أعوذ بالله من النار) هكذا في الكتاب. وفي البخاري: مرتين.

                                                                                                                              (قال: فلقيهما ملك آخر، فقال لي: لم ترع) أي: لا روع عليك بعد ذلك، ولا ضرر.

                                                                                                                              وفي حديث عند البخاري: "فلقيه ملك وهو يرعد، فقال: لم ترع".

                                                                                                                              (فقصصتها) أي الرؤيا (على حفصة): أم المؤمنين "أخته" رضي الله عنها. (فقصتها حفصة على رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم) ولم يقصها بنفسه عليه، صلى الله عليه وآله وسلم؛ تأدبا ومهابة (فقال النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم) لها: (نعم الرجل عبد الله) أخوك (لو كان يصلي من الليل).

                                                                                                                              فيه: فضيلة صلاة الليل.

                                                                                                                              [ ص: 551 ]

                                                                                                                              (قال سالم: فكان عبد الله -بعد ذلك- لا ينام من الليل إلا قليلا).

                                                                                                                              وفي رواية أخرى للبخاري: "أن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال لها: إن عبد الله رجل صالح".

                                                                                                                              قال القسطلاني: وكان لعبد الله بن عمر من الولد: "عبد الله"، وأمه: "صفية بنت أبي عبيد". و"سالم"، أمه: "أم ولد". و"عبيد الله" و"عبد الرحمن" و"عاصم" و"حمزة" و"واقد". و"زيد". و"بلال". انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية