الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ( 8 ) والذين هم على صلواتهم يحافظون ( 9 ) أولئك هم الوارثون ( 10 ) )

يقول تعالى ذكره : ( والذين هم لأماناتهم ) التي ائتمنوا عليها ( وعهدهم ) وهو عقودهم التي عاقدوا الناس ( راعون ) يقول : حافظون لا يضيعون ، ولكنهم يوفون بذلك كله .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار إلا ابن كثير : ( والذين هم لأماناتهم ) على الجمع . وقرأ ذلك ابن كثير : " لأمانتهم " على الواحدة .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا : ( لأماناتهم ) لإجماع الحجة من القراء عليها .

وقوله : ( والذين هم على صلواتهم يحافظون ) يقول : والذين هم على أوقات صلاتهم [ ص: 12 ] يحافظون ، فلا يضيعونها ولا يشتغلون عنها حتى تفوتهم ، ولكنهم يراعونها حتى يؤدوها فيها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق : ( والذين هم على صلواتهم يحافظون ) قال : على وقتها .

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ( والذين هم على صلواتهم يحافظون ) على ميقاتها .

حدثنا ابن عبد الرحمن البرقي ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، قال : أخبرنا ابن زحر ، عن الأعمش ، عن مسلم بن صبيح . قال : ( والذين هم على صلواتهم يحافظون ) قال : أقام الصلاة لوقتها .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : على صلواتهم دائمون .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم : ( على صلواتهم يحافظون ) قال : دائمون ، قال : يعني بها المكتوبة .

وقوله : ( أولئك هم الوارثون ) يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هذه صفتهم في الدنيا ، هم الوارثون يوم القيامة منازل أهل النار من الجنة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، روي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتأوله أهل التأويل .

ذكر الرواية بذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش . عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا وله منزلان : منزل في الجنة ، ومنزل في النار ، وإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله " فذلك قوله : ( أولئك هم الوارثون ) .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، في قوله ، ( أولئك هم الوارثون ) قال : يرثون مساكنهم ، ومساكن إخوانهم التي أعدت لهم لو أطاعوا الله .

[ ص: 13 ] حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر . عن الأعمش ، عن أبي هريرة ، ( أولئك هم الوارثون ) قال : يرثون مساكنهم ، ومساكن إخوانهم الذين أعدت لهم لو أطاعوا الله .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : الوارثون الجنة أورثتموها ، والجنة التي نورث من عبادنا هن سواء ، قال ابن جريج : قال مجاهد : يرث الذي من أهل الجنة أهله وأهل غيره ، ومنزل الذين من أهل النار ، هم يرثون أهل النار ، فلهم منزلان في الجنة وأهلان ، وذلك أنه منزل في الجنة ، ومنزل في النار ، فأما المؤمن فيبني منزله الذي في الجنة ، ويهدم منزله في النار . وأما الكافر فيهدم منزله الذي في الجنة . ويبني منزله الذي في النار . قال ابن جريج : عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، أنه قال مثل ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية