الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ( 12 ) )

يقول تعالى ذكره : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) أسللناه منه ، فالسلالة : هي المستلة من كل تربة ، ولذلك كان آدم خلق من تربة أخذت من أديم الأرض .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في المعني بالإنسان في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عنى به آدم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( من طين ) قال : استل آدم من الطين .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( من سلالة من طين ) قال : استل آدم من طين ، وخلقت ذريته من ماء مهين .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولقد خلقنا ولد آدم ، وهو الإنسان الذي ذكر في هذا الموضع ، من سلالة ، وهي النطفة التي استلت من ظهر الفحل من طين ، وهو آدم الذي خلق من طين .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي يحيى ، عن ابن عباس : ( من سلالة من طين ) قال : صفوة الماء .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( [ ص: 15 ] من سلالة ) من مني آدم .

حدثنا القاسم . قال : ثنا الحسين . قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : ولقد خلقنا ابن آدم من سلالة آدم ، وهي صفة مائه ، وآدم هو الطين; لأنه خلق منه .

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية; لدلالة قوله : ( ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) على أن ذلك كذلك; لأنه معلوم أنه لم يصر في قرار مكين إلا بعد خلقه في صلب الفحل ، ومن بعد تحوله من صلبه صار في قرار مكين; والعرب تسمي ولد الرجل ونطفته : سليله وسلالته . لأنهما مسلولان منه ، ومن السلالة قول بعضهم :


حملت به عضب الأديم غضنفرا سلالة فرج كان غير حصين



وقول الآخر :


وهل كنت إلا مهرة عربية     سلالة أفراس تحللها بغل



فمن قال : سلالة جمعها سلالات ، وربما جمعوها سلائل ، وليس بالكثير . لأن السلائل جمع للسليل ، ومنه قول بعضهم :


إذا أنتجت منها المهارى تشابهت     على القود إلا بالأنوف سلائله



[ ص: 16 ] وقول الراجز :


يقذفن في أسلابها بالسلائل



التالي السابق


الخدمات العلمية