الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( فائدة ) إن قيل كيف جعلتم القول قول المدعى عليه مع أن كذب كل واحد منهما ممكن ؟ قلنا : جعلنا القول قوله لظهور صدقه فإن الأصل براءة ذمته من الحقوق ، وبراءة جسده من القصاص والحدود والتعزيرات ، وبراءته من الانتساب إلى شخص معين ، ومن الأقوال كلها والأفعال بأسرها ، وكذلك الأصل عدم إسقاط ما ثبت للمدعي من الحقوق وعدم نقلها .

فيدخل في هذا جميع العقود والتصرفات حتى الكفر والإيمان ، [ ص: 33 ] وكذلك الظاهر أن ما في يده مختص به فجعلنا عليه لرجحان جانبه بما ذكرناه فقوينا الظن المستند إلى ما ذكرناه بالظن المستفاد من اليمين ، فإن نكل زال الظن المستفاد من براءة ذمته وجسده ويده ; لأن الطبع وازع عن النكول الموجب لحلف المدعي بما يضر الإنسان في ذمته وجسده ويده فرجح بذلك جانب المدعي فعرضت اليمين عليه ليحصل لنا الظن المستفاد من النكول ، وقد جعل بعض العلماء الظن المستفاد من النكول موجب للحكم لقوته وشدة ظهوره ، فإذا قامت البينة العادلة قدمت على ذلك ; لأن الظن المستفاد منها أقوى وأظهر من الظن المستفاد من تحليف أحد الخصمين .

فإن قيل : قد أمر الأئمة والحكام بالعدل ، وهو التسوية بين المستحقين والمتخاصمين وقد فاوتم بينهم فقدمتم قول المدعى عليه ؟ قلنا : أما الحاكم فيسوي بين الخصوم من وجهين .

أحدهما التسوية بينهم في الإقبال والإعراض والنظر والمجلس .

الوجه الثاني : التسوية بينهم في العمل بالظنون فيجعل القول قول كل مدع مع يمينه إلا ما استثناه الشرع كالقسامة واللعان ، فيسوي فيه بين الأزواج ، وكذلك يسوي بين النساء في درء الحدود باللعان ، وكذلك يسوي بين الخصوم في تحليف كل مدع بعد النكول ، وكذلك إذا تناكلا ولم يحلف واحد منهما فيسوي بينهما في صرفهما .

وأما الإمام فيلزمه مثل ما لزم الحاكم من ذلك ، ويلزمه أن يقدم الضرورات على الحاجات في حق جميع الناس .

وأن يسوي بينهم في تقديم أضرهم فأضرهم وأمسهم حاجة فأمسهم ، والتسوية بينهم ليست من مقادير ما يدفع إليهم الإمام ، بل التسوية بينهم أن يدفع إلى كل واحد منهم ما يدفع به [ ص: 34 ] حاجته من غير نظر إلى تفاوت مقاديره فيتساووا في اندفاع الحاجات ، وكذلك يسوي بين الناس في نصب القضاة والولاة ودفع المضرات ، ولا يخلي كل قطر من الولاة والحكام ، ولا يخلي الثغور من كفايتها من الكراع والسلاح والأجناد الذين يرجى من مثلهم كف الفساد ودرء الكفار وعرامة الفجار ، إلى غير ذلك مما يتصرف به الأئمة .

وإذا قسم الإمام الأموال فليقدم الأفضل فالأفضل منهم في تسليم نصيبه إليه كي لا تنكسر قلوب الفضلاء بتأخيرهم ، إلا أن يكون المفضول أعظم ضرورة وأمس حاجة فيبدأ به قبل الفاضل ; لأن الفاضل إذا عرف ضرورة المضطر رق له ، وهان عليه تقديمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية