الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1994 [ ص: 216 ] 37 - باب: بيع السلاح في الفتنة وغيرها

                                                                                                                                                                                                                              وكره عمران بن حصين بيعه عند الفتنة .

                                                                                                                                                                                                                              2100 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن أفلح ، عن أبي محمد -مولى أبي قتادة- عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حنين ، -فبعت الدرع ، فابتعت به مخرفا في بني سلمة ، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام . [3142 ، 4321 ، 4322 ، 7170 - مسلم: 1751 - فتح: 4 \ 322]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق من حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حنين ، فبعت الدرع ، فابتعت به مخرفا في بني سلمة ، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح : أثر عمران ذكره عبد الله بن أحمد في "علله" فقال : سألت ابن معمر ، عن محمد بن مصعب القرقساني ، فقال : ليس بشيء ، وكان لي رفيقا فحدثنا عن أبي الأشهب ، عن أبي رجاء ، عن عمران بن حصين : أنه كره بيع السلاح في الفتنة ، فقلنا لمحمد بن مصعب : هذا يرويه عن أبي رجاء قوله ، فقال : هكذا سمعه . ثم قال : يحيى لم يكن من أصحاب الحديث . قال عبد الله : وسمعت أبي ، ذكر محمد بن مصعب فقال : لا بأس به . فقلت : أنكر يحيى عليه حديث أبي رجاء إذ رواه عن عمران قوله . فسكت .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "تاريخ الخطيب" رواه محمد بن مصعب أيضا مرفوعا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكذا هو في كتاب "البيوع" لابن أبي عاصم ، ورواه [ ص: 217 ] ابن عدي في "كامله" من حديث بحر بن كنيز السقاء -وهو ضعيف- عن عبيد الله بن القبطي عن أبي رجاء عن عمران .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي قتادة أخرجه مسلم أيضا ، والبخاري مطولا بقصة تأتي ، وأسقط هنا ما لم يتم الكلام إلا به ، وهو أنه قتل رجلا من الكفار فأعطاه - عليه السلام - درعه . والبخاري أراد بيع الدرع فذكر موضعه فقط ، وذكر في الأحكام :

                                                                                                                                                                                                                              وقال لي عبد الله بن صالح ، عن الليث : فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأداه إلي ، وقد ساقها مرة أخرى كذلك متصلا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 218 ] والذي شهد لأبي قتادة بالقتل : الأسود بن خزاعي وعبد الله بن أنيس -قاله المنذري ، وفي الإسناد : ابن أفلح ، وهو عمر بن كثير بن أفلح وأبو محمد مولى أبي قتادة واسمه : نافع .

                                                                                                                                                                                                                              وبنو سلمة -بكسر اللام- بطن من الأنصار ، واعترض الإسماعيلي فقال : الحديث ليس في شيء من ترجمة الباب . وليس كما ذكر فإنه ذكر للترجمة على بيع السلاح في الفتنة أثر عمران ، وعلى قوله وغيرها حديث أبي قتادة : إذ باع السلاح في غير أيام الفتنة ، أو يقال : إن الرجل لما قال : سلب ذلك القتيل عندي فارضه فكأنه بمنزلة البيع وذلك وقت فتنة ; لأن الرضى لا يكون إلا مع مقارنة التماثل .

                                                                                                                                                                                                                              والمخرف : بفتح الميم وكسر الراء وعكسه وفتحها : البستان . وقيل : الحائط من النخل يخترف فيه الرطب أي : يجتنى ، وقيل : بالكسر ما يجنى فيه الثمر أو ما يقطع به ، وبالفتح : الحائط من النخل ، وقال ابن سيده : المخرف : القطعة الصغيرة من النخل لست أو سبع يشتريها الرجل للخرفة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 219 ] و (تأثلته) : جعلته أصل مالي مأخوذ من الأثلة وهو الأصل ، والآثال بالفتح : المجد ، وبالضم : اسم جبل وبه سمي الرجل قال :

                                                                                                                                                                                                                              ولكنما أسعى لمجد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

                                                                                                                                                                                                                              أي : المجد الذي له أصل .

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر ذلك فإنما كره بيع السلاح في الفتنة ; لأنه من باب التعاون على الإثم وذلك منهي عنه . فأما بيعه في غيرها فمباح وداخل في عموم وأحل الله البيع [البقرة : 275] وقال ابن التين : لعله في فتنة لا يعرف الظالم من المظلوم فيها وإلا فلو علمنا بيع من المظلوم ولم يبع من الظالم .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : ومن الأول بيع العنب لعاصر الخمر فإنه حرام وباطل عند مالك ، يفسخ البيع فيه . وخالف الثوري فقال : لا كراهة بع حلالك ممن شئت .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه ذكر الرجل الصالح بصالح عمله .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة : حنين : سنة ثمان ، وهو واد بين مكة والطائف على ثمانية عشر ميلا من مكة .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية