الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4538 (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي، في (الباب المتقدم).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي، ص 43-45، ج 16، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن خرشة بن الحر، قال: كنت جالسا في حلقة -في مسجد المدينة- قال: وفيها شيخ حسن الهيئة "وهو عبد الله بن سلام". قال: [ ص: 566 ] فجعل يحدثهم حديثا حسنا. قال: فلما قام، قال القوم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا. قال: فقلت: والله! لأتبعنه، فلأعلمن مكان بيته. قال: فتبعته. فانطلق، حتى كاد أن يخرج من المدينة،

                                                                                                                              ثم دخل منزله. قال: فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقال: ما حاجتك؟ يا ابن أخي! قال: فقلت له: سمعت القوم يقولون لك -لما قمت-: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا. فأعجبني: أن أكون معك. قال: الله أعلم بأهل الجنة. وسأحدثك: مم قالوا ذاك.

                                                                                                                              إني بينما أنا نائم، إذ أتاني رجل، فقال لي: قم. فأخذ بيدي، فانطلقت معه. قال: فإذا أنا بجواد عن شمالي. قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها. فإنها طرق أصحاب الشمال. قال: فإذا جواد منهج على يميني. فقال لي: خذ ههنا. فأتى بي جبلا، فقال لي: اصعد. قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي. قال: حتى فعلت ذلك مرارا. قال: ثم انطلق بي، حتى أتى بي عمودا، رأسه في السماء، وأسفله في الأرض. في أعلاه حلقة. فقال لي: اصعد فوق هذا. قال: قلت: كيف أصعد هذا ورأسه في السماء؟ قال: فأخذ بيدي، فزجل بي. قال: فإذا أنا متعلق بالحلقة، قال: ثم ضرب العمود، فخر. قال: وبقيت متعلقا بالحلقة، حتى أصبحت. قال: فأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فقصصتها عليه، فقال: "أما الطرق التي رأيت عن يسارك: فهي طرق أصحاب الشمال". قال: "وأما الطرق [ ص: 567 ] التي رأيت عن يمينك: فهي طرق أصحاب اليمين. وأما الجبل: فهو منزل الشهداء. ولن تناله. وأما العمود: فهو عمود الإسلام. وأما العروة: فهي عروة الإسلام. ولن تزال متمسكا بها حتى تموت" ) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن خرشة بن الحر؛ قال: كنت جالسا في حلقة -في مسجد المدينة- قال: وفيها شيخ حسن الهيئة، "وهو عبد الله بن سلام". قال: فجعل يحدثهم حديثا حسنا. قال: فلما قام، قال القوم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا. قال: فقلت: والله! لأتبعنه، فلأعلمن مكان بيته. قال: فتبعته. فانطلق، حتى كاد أن يخرج من المدينة. ثم دخل منزله. قال: فاستأذنت عليه، فأذن لي. فقال: ما حاجتك؟ يا ابن أخي! قال: فقلت له: سمعت القوم يقولون لك -لما قمت-: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا. فأعجبني: أن أكون معك. قال) أي: ابن سلام -منكرا عليهم قطعهم بالجنة له- ولفظ البخاري: "والله! ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم".

                                                                                                                              (الله أعلم بأهل الجنة. وسأحدثك مم قالوا ذاك. إني بينما أنا نائم إذ أتاني رجل، فقال لي: قم. فأخذ بيدي، فانطلقت معه. [ ص: 568 ] قال: فإذا أنا بجواد عن شمالي).

                                                                                                                              "الجواد": جمع: "جادة"، وهي الطريق البينة، المسلوكة. والمشهور فيها: "جواد" بتشديد الدال. قال عياض: وقد يخفف). قاله صاحب العين.

                                                                                                                              (قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها؛ فإنها طرق أصحاب الشمال. قال: وإذا جواد منهج على يميني) أي: طرق واضحة، بينة، مستقيمة. "والمنهج": الطريق المستقيم. "ونهج الأمر وأنهج": إذا وضح. و"طريق منهج، ومنهاج، ونهج": أي: بين واضح.

                                                                                                                              (فقال لي: خذ ههنا. قال: فأتى بي جبلا. فقال لي: اصعد. قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد: خررت على "استي" قال: حتى فعلت ذلك مرارا. قال: ثم انطلق بي، حتى أتى بي عمودا، رأسه في السماء، وأسفله في الأرض، في أعلاه "حلقة". فقال لي: اصعد فوق هذا. قال: قلت: كيف أصعد هذا، ورأسه في السماء؟ قال: فأخذ بيدي، فزجل بي) بالزاي والجيم. أي: رمى بي (فقال: فإذا أنا متعلق بالحلقة. قال: ثم ضرب العمود، فخر. قال: وبقيت متعلقا بالحلقة، حتى أصبحت. قال: فأتيت النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم، فقصصتها عليه، فقال: "أما الطرق التي رأيت عن يسارك: [ ص: 569 ] فهي طرق أصحاب الشمال". قال: "وأما الطرق التي رأيت عن يمينك: فهي طرق أصحاب اليمين. وأما "الجبل": فهو منزل الشهداء، ولن تناله. وأما "العمود": فهو عمود الإسلام") أي: أركانه الخمسة. أو كلمة الشهادة وحدها.

                                                                                                                              (وأما العروة: فهي عروة الإسلام). قال تعالى: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) .

                                                                                                                              (ولن تزال متمسكا به حتى تموت).

                                                                                                                              وليس في هذا نص بقطع النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: أنه من أهل الجنة -كما نص على غيره-: فلذا أنكر عليهم.

                                                                                                                              وهذا الحديث له ألفاظ وطرق في الصحيحين.




                                                                                                                              الخدمات العلمية