الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في فضل الثريد

                                                                                                          1834 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة الهمداني عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام قال وفي الباب عن عائشة وأنس قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في أكل الثريد ) بفتح المثلثة وكسر الراء معروف وهو أن يثرد الخبز بمرق اللحم ، [ ص: 459 ] وقد يكون معه اللحم ، ومن أمثالهم : الثريد أحد اللحمين ، وربما كان أنفع وأقوى من نفس اللحم النضيج إذا ثرد بمرقته .

                                                                                                          قوله : ( كمل ) بتثليث الميم ، قال في القاموس : كمل كنصر وكرم وعلم كمالا وكمولا انتهى أي صار كاملا أو بلغ مبلغ الكمالقوله : ( من الرجال كثير ) أي كثيرون من أفراد هذا الجنس حتى صاروا رسلا وأنبياء وخلفاء وعلماء وأولياء ( ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ) والتقدير إلا قليل منهن ، ولما كان ذلك القليل محصورا فيهما باعتبار الأمم السابقة نص عليهما بخلاف الكمل من الرجال فإنه يبعد تعدادهم واستقصاؤهم بطريق الانحصار ، سواء أريد بالكمل الأنبياء أو الأولياء . قال الحافظ في الفتح : استدل بهذا الحصر على أنهما نبيتان لأن أكمل الإنسان الأنبياء ثم الأولياء والصديقون والشهداء ، فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة ، والواقع أن هذه الصفات في كثير منهن موجودة ، فكأنه قال ولم ينبأ من النساء إلا فلانة وفلانة ، ولو قال : لم تثبت صفة الصديقية أو الولاية أو الشهادة إلا لفلانة وفلانة لم يصح لوجود ذلك في غيرهن ، إلا أن يكون المراد في الحديث كمال غير الأنبياء فلا يتم الدليل على ذلك لأجل ذلك انتهى .

                                                                                                          وقال الكرماني : لا يلزم من لفظ الكمال ثبوت نبوتهما لأنه يطلق لتمام الشيء وتناهيه في بابه ، فالمراد ببلوغهما إليه في جميع الفضائل التي للنساء . قال : وقد نقل الإجماع على عدم نبوة النساء كذا قال . وقد نقل عن الأشعري : من النساء من نبئ وهن ست : حواء وسارة وأم موسى وهاجر وآسية ومريم ، والضابط عنده أن من جاءه الملك عن الله بحكم من أمر ونهي أو بإعلام مما سيأتي فهو نبي ، وقد ثبت مجيء الملك لهؤلاء بأمور شتى من ذلك من عند الله عز وجل ، ووقع التصريح بالإيحاء لبعضهن في القرآن . وذكر ابن حزم في الملل والنحل أن هذه المسألة لم يحدث التنازع فيها إلا في عصره بقرطبة وحكي عنهم أقوالا ثالثها الواقف قال : وحجة المانعين قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا قال : وهذا لا حجة فيه فإن أحدا لم يدع فيهن الرسالة وإنما ، الكلام في النبوة فقط ، قال : وأصرح ما ورد في ذلك قصة مريم ، وفي قصة أم موسى ، ما يدل على ثبوت ذلك لها من مبادرتها بإلقاء ولدها في البحر بمجرد الوحي إليها بذلك ، قال : وقد قال الله تعالى بعد أن ذكر مريم والأنبياء بعدها : أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين فدخلت في عمومه والله [ ص: 460 ] تعالى أعلم .

                                                                                                          وقال القرطبي : الصحيح أن مريم نبية لأن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك ، وأما آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها ، كذا في الفتح ( وفضل عائشة على النساء ) أي على جنسهن من نساء الدنيا جميعهن ، أو على نساء الجنة أو على نساء زمانها . أو على نساء هذه الأمة (كفضل الثريد على سائر الطعام ) قال الحافظ : ليس فيه تصريح بأفضلية عائشة رضي الله تعالى عنها على غيرها ؛ لأن فضل الثريد على غيره من الطعام إنما هو لما فيه من تيسير المؤنة وسهولة الإساغة ، وكان أجل أطعمتهم يومئذ ، وكل هذه الخصال لا تستلزم ثبوت الأفضلية له من كل جهة ، فقد يكون مفضولا بالنسبة لغيره من جهات أخرى ، ويأتي بقية الكلام في هذا في فضل عائشة من أبواب المناقب .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عائشة وأنس ) أما حديث عائشة فأخرجه النسائي في عشرة النساء . وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في المناقب .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري في كتاب الأنبياء وفي فضل عائشة وفي الأطعمة ، وأخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في المناقب وفي عشرة النساء ، وابن ماجه في الأطعمة .




                                                                                                          الخدمات العلمية