الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( فائدة ) تصح إقالة الإقالة فلو تقايلا البيع ثم تقايلا الإقالة ارتفعت الإقالة ، وعاد البيع ، وكتبنا في الفوائد إلا في مسألة ، وهي إقالة السلم فإنها لا تقبل الإقالة كما ذكره الشارح من الدعوى من باب التحالف ، وفي الجوهرة لا تصح الإقالة في النكاح والطلاق والعتاق . ا هـ .

                                                                                        ( قوله هي فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق ثالث ) ، وهذا عند أبي حنيفة إلا إن تعذر جعلها فسخا بأن ولدت المبيعة بعد القبض أو هلك المبيع فإنها تبطل [ ص: 112 ] ويبقى البيع على حاله أطلقه فشمل ما إذا كان قبل القبض أو بعده ، وروي عن أبي حنيفة أنها فسخ قبل القبض بيع بعده كذا في البدائع ، وظاهره ترجيح الإطلاق ، وقال أبو يوسف هي بيع إلا إن تعذر بأن كانت قبل القبض ففسخ إلا إن تعذرا فتبطل بأن كانت قبل القبض في المنقول بأكثر من الثمن الأول أو بأقل منه أو بجنس آخر أو بعد هلاك المبيع .

                                                                                        وقال محمد هي فسخ إلا أن تعذر بأن تقايلا بأكثر من الثمن الأول أو بخلاف جنسه أو ولدت المبيعة بعد القبض فبيع إلا أن تعذرا بأن كانت قبل القبض بأكثر من الثمن الأول فتبطل ، والخلاف المذكور إنما هو فيما إذا وقعت بلفظها إما بلفظ الفسخ أو الرد أو الترك فإنها لا تكون بيعا ، وفي بعض نسخ الزيلعي فإنها لا تكون فسخا ، وهو سبق قلم كما لا يخفى ، وفي السراج الوهاج أما إذا كانت بلفظ البيع كانت بيعا إجماعا كما إذا قال البائع له بعني ما اشتريت فقال بعت كان بيعا ، وفائدة كونها فسخا في حقهما عنده تظهر في خمس مسائل الأولى وجوب رد الثمن الأول ، وتسمية خلافه باطل الثانية أنها لا تبطل بالشروط المفسدة ، ولكن لا يصح تعليقها بالشرط كأن باع ثورا من زيد فقال اشتريته رخيصا فقال زيد إن وجدت مشتريا بالزيادة فبعه منه فوجد فباع بأزيد لا ينعقد البيع الثاني لأنه تعليق الإقالة لا الوكالة بالشرط كذا في السراج الوهاج الثالثة إذا تقايلا ، ولم يرد المبيع حتى باعه منه ثانيا جاز ، ولو كانت بيعا لفسد ، وهذه حجة على أبي يوسف لأن البيع جائز بلا خلاف بين أصحابنا إلا أن يثبت عنه الخلاف فيه كذا في البدائع .

                                                                                        ولو باع من غير المشتري لم يجز لكونه بيعا جديدا في حق ثالث ، وإذا تبايعاه بعدها يحتاج المشتري إلى تجديد القبض لكونه بعدها في يده مضمونا بغيره ، وهو الثمن فلا ينوب عن قبض الشراء كقبض الرهن بخلاف قبض الغصب كذا في الكافي هنا ، وفيه من باب المتفرقات تقايضا فتقايلا فاشترى أحدهما ما أقال صار قابضا بنفس العقد لقيامها فكان كل واحد مضمونا بقيمة نفسه كالمغصوب ، ولو هلك أحدهما فتقايلا ثم جدد العقد في القائم لا يصير قابضا بنفس العقد لأنه يصير مضمونا بقيمة العرض الآخر فشابه المرهون . ا هـ .

                                                                                        والرابعة : إذا وهب المبيع من المشتري بعد الإقالة قبل القبض جازت الهبة ، ولو كانت بيعا لانفسخ لأن البيع ينفسخ بهبة المبيع للبائع قبل القبض ، والخامسة لو كان المبيع مكيلا أو موزونا ، وقد باعه منه بالكيل أو الوزن ثم تقايلا ، واسترد البيع من غير أن يعيد الكيل أو الوزن جاز قبضه ، وهذا لا يطرد على أصل أبي يوسف لكونها بيعا عنده ، ولو كانت بيعا لما صح قبضه بلا كيل ووزن كذا في البدائع ، وتظهر فائدة كونها بيعا في حق غيرهما في خمس أيضا الأولى لو كان المبيع عقارا فسلم الشفيع الشفعة ثم تقايلا يقضي له بالشفعة لكونه بيعا جديدا في حقه كأنه اشتراه منه ، والثانية إذا باع المشتري المبيع من آخر ثم تقايلا ثم [ ص: 113 ] اطلع على عيب كأن كان في يد البائع فأراد أن يرده على البائع ليس له ذلك لأنه بيع في حقه فكأنه اشتراه من المشتري ، والثالثة إذا اشترى شيئا ، وقبضه ، ولم ينقد الثمن حتى باعه من آخر ثم تقايلا ، وعاد إلى المشتري فاشتراه من قبل نقد ثمنه بأقل من الثمن الأول جاز ، وكان في حق البائع كالمملوك بشراء جديد من المشتري الثاني .

                                                                                        والرابعة إذا كان المبيع موهوبا فباعه الموهوب له ثم تقايلا ليس للواهب أن يرجع في هبته لأن الموهوب له في حق الواهب بمنزلة المشتري من المشترى منه ، والخامسة إذا اشترى بعروض التجارة عبدا للخدمة بعدما حال عليها الحول فوجد به عيبا فرده بغير قضاء ، واسترد العروض فهلكت في يده فإنه لا تسقط عنه الزكاة لكونه بيعا جديدا في حق الثالث ، وهو الفقير لأن الرد بالعيب بغير قضاء إقالة ، وقوله بيع جديد في حق الثالث مجرى على إطلاقه ، وقوله فسخ في حق المتعاقدين غير مجرى على إطلاقه لأنه إنما يكون فسخا فيما هو من موجبات العقد ، وهو ما يثبت بنفس العقد من غير شرط ، وأما إذا لم يكن من موجبات العقد ، ويجب في شرط زائد فالإقالة فيه تعتبر بيعا جديدا في حق المتعاقدين أيضا كما إذا اشترى بالدين المؤجل عينا قبل حلول الأجل ثم تقايلا يعود الدين حالا كأنه باعه منه ، وفي الصغرى ، ولو رده بعيب بقضاء كان فسخا من كل وجه فيعود الأجل كما كان ، ولو كان بالدين كفيل لا تعود الكفالة في الوجهين ا هـ .

                                                                                        وكما إذا تقايلا ثم ادعى رجل أن المبيع ملكه ، وشهد المشتري بذلك لم تقبل شهادته لأنه هو الذي باعه ثم شهد أنه لغيره ، ولو كانت فسخا لقبلت ألا ترى أن المشتري لو رد المبيع بعيب بقضاء ، وادعى المبيع رجل ، وشهد المشتري بذلك تقبل شهادته لأنه بالفسخ عاد ملكه القديم فلم يكن متلقيا من جهة المشتري لكونه فسخا من كل وجه ، وكذا لو باع عبدا بطعام بغير عينه ، وقبض ثم تقايلا لا يتعين الطعام المقبوض للرد كأنه باعه من البائع بطعام غير معين ، وكذا لو قبض أردأ من الثمن الأول أو أجود منه يجب رد مثل المشروط في البيع الأول كأنه باعه من البائع بمثل الثمن الأول ، وقال الفقيه أبو جعفر يجب عليه رد المثل المقبوض لأنه لو وجب عليه مثل المشروط للزم زيادة ضرر بسبب تبرعه ، ولو كان فسخا بخيار رؤية أو شرط أو عيب بقضاء رد المقبوض إجماعا لأنه فسخ من كل وجه كذا ذكر الشارح هنا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله أطلقه فشمل ما إذا كان قبل القبض أو بعده ) أي أطلق قوله هي فسخ في حق المتعاقدين قال في المجتبى ، والإقالة قبل القبض في المنقول وغيره فسخ عند أبي حنيفة ومحمد ، وكذا عند أبي يوسف في المنقول لتعذر البيع ، وفي العقار تكون بيعا عنده ، وعن الحسن عن أبي حنيفة بيع بعد القبض فسخ قبله إلا في العقار فإنه بيع فيهما ( قوله وظاهره ) أي ظاهر التعبير بقوله ، وروي ( قوله وإذا تبايعاه بعدها ) أي بعد الإقالة ، وهو بيان لقوله جاز أي جاز بيعه قبل رده ، ولكن يحتاج المشتري إلى قبض جديد ، وهذا فيما يتعين كونه مبيعا كما يفيده ما سيذكره عن الكافي أيضا ( قوله تقايضا ) من المقايضة فهو بالياء المثناة التحتية لا بالباء الموحدة ، وقوله لقيامهما أي قيام كل من عوضي المقايضة ( قوله وتظهر فائدة كونها بيعا في حق غيرهما في خمس مسائل ) قال في النهر زاد في النهاية سادسة ، وهي ما مر من أن قبض بدلي الصرف شرط لصحة الإقالة فيجعل في حق الشرع كبيع جديد ، وسئلت عن الإقالة بعد الرهن فأجبت بأنها موقوفة كالبيع أخذا من قولهم إنها بيع جديد في حق ثالث ، وهو هنا المرتهن ، وهي سابعة ، وعلى هذا لو أجره ثم تقايلا فهي ثامنة ا هـ .

                                                                                        فالإقالة بعد الرهن موقوفة على إجازة المرتهن أو قضاء الراهن دينه ، وبعد الإجازة موقوفة على إجازة المستأجر إن أجاز نفذت ، وإلا بطلت ، ويزاد أيضا ما نقله السيد الحموي عن ابن فرشتا ، وهو ما إذا اشترى جارية ، وقبضها ثم تقايلا البيع نزل هذا التقايل منزلة البيع في حق ثالث حتى لا يكون للبائع الأول وطؤها إلا بعد الاستبراء . ا هـ .

                                                                                        لأن وجوب الاستبراء حق لله تعالى فالله تعالى ثالثهما كذا في حاشية أبي السعود ( قوله الأولى لو كان المبيع عقارا فسلم الشفيع الشفعة إلخ ) قال الرملي إنما قال فسلم لتظهر فائدة كونها بيعا ، وإلا لو لم يسلم بأن أقال قبل أن يعلم الشفيع بالبيع [ ص: 113 ] فله الأخذ بالشفعة أيضا إن شاء بالبيع ، وإن شاء بالبيع الحاصل بالإقالة تأمل ( قوله وفي الصغرى ، ولو رده بعيب إلخ ) قال الرملي صورة عبارة الصغرى ، ومن له دين مؤجل إذا اشترى بذلك الدين ممن عليه شيئا ، وقبضه ثم تقايلا لا يعود الأجل ، ولو رده بعيب إلى آخر ما هنا ، وسيأتي في الكفالة عن التتارخانية ما يخالف ما هنا فراجعه ، وتأمل ا هـ .

                                                                                        والذي سيأتي في الكفالة هو قوله لو باع الأصيل الطالب بدينه سقط فلو رد عليه بملك جديد عاد الدين على الأصيل ، ولم يعد على الكفيل ، وبالفسخ من كل وجه يعود على الكفيل ا هـ .

                                                                                        فهذا مخالف لقوله لا تعود الكفالة ، وذكر الرملي هناك أن ما ذكره المؤلف هناك عزاه في التتارخانية إلى الغياثية ، ونقل في التتارخانية عن المحيط أنه يبرأ الكفيل سواء كان الرد بعيب بقضاء أو برضا ، ونقل عن السغناقي عن المبسوط التفصيل بين الرد بالقضاء فيعود على الكفيل وبين الرد بالرضا فلا يعود قال الرملي .

                                                                                        والحاصل أن فيها خلافا بينهم فتنبه ( قوله كذا ذكر الشارح هنا ) الإشارة إلى جميع ما مر من قوله ، وقوله فسخ في حق المتعاقدين إلى هنا .




                                                                                        الخدمات العلمية