الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4116 ) فصل : وإن ساقى أحد الشريكين شريكه ، وجعل له من الثمر أكثر من نصيبه ، مثل أن يكون الأصل بينهما نصفين ، فجعل له الثلثين من الثمرة ، صح ، وكان السدس حصته من المساقاة ، فصار كأنه قال : ساقيتك على نصيبي بالثلث . وإن ساقاه على أن تكون الثمرة بينهما نصفين ، أو على أن يكون للعامل الثلث ، فهي مساقاة فاسدة ; لأن العامل يستحق نصفها بملكه ، فلم يجعل له في مقابلة عمله شيئا . وإذا شرط له الثلث ، فقد شرط أن غير العامل يأخذ من نصيب العامل ثلثه ، ويستعمله بلا عوض . فلا يصح

                                                                                                                                            فإذا عمل في الشجر بناء على هذا ، كانت الثمرة بينهما نصفين ، بحكم الملك ، ولا يستحق العامل بعمله شيئا ; لأنه تبرع به برضاه بالعمل بغير عوض ، فأشبه ما لو قال له : أنا أعمل فيه بغير شيء . وذكر أصحابنا وجها آخر ، أنه يستحق أجر مثله ; لأن المساقاة تقتضي عوضا ، فلا تسقط برضاه بإسقاطه ، كالنكاح ، ولم يسلم له العوض ، فيكون له أجر مثله . ولنا أنه عمل في مال غيره متبرعا ، فلم يستحق عوضا ، كما لو لم يعقد المساقاة . ويفارق النكاح لوجهين : أحدهما أن عقد النكاح صحيح

                                                                                                                                            فوجب به العوض لصحته ، وهذا فاسد ، لا يوجب شيئا . والثاني أن الأبضاع لا تستباح بالبذل والإباحة ، والعمل ها هنا يستباح بذلك ، ولأن المهر في النكاح لا يخلو من أن يكون واجبا بالعقد ، أو بالإصابة ، أو بهما ، فإن وجب بالعقد ، لم يصح قياس هذا عليه ، لوجهين : أحدهما أن النكاح صحيح ، وهذا فاسد . والثاني أن العقد ها هنا لا يوجب ، ولو أوجب لأوجب قبل العمل . ولا خلاف أن هذا لا يوجب قبل العمل شيئا ، وإن أوجب بالإصابة ، لم يصح القياس عليها لوجهين : أحدهما ، أن الإصابة لا تستباح بالإباحة والبذل ، بخلاف العمل

                                                                                                                                            والثاني أن الإصابة لو خلت عن العقد لأوجبت ، وهذا بخلافه . وإن وجب [ ص: 231 ] بهما امتنع القياس لهذه الوجوه كلها . فأما إن ساقى أحدهما شريكه على أن يعملا معا ، فالمساقاة فاسدة ، والثمرة بينهما على قدر ملكيهما ، ويتقاصان العمل إن تساويا فيه ، وإن كان لأحدهما فضل نظرت فإن كان قد شرط له فضل ما في مقابلة عمله ، استحق ما فضل له من أجر المثل ، وإن لم يشرط له شيء ، فلا شيء له إلا على الوجه الذي ذكره أصحابنا ، وتكلمنا عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية