[ ص: 105 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=32واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=35ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=39ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=40فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=41أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=42وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=43ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=44هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=32واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=35ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=39ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=40فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=41أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=42وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول ياليتني لم أشرك بربي أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=43ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=44هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا )
اعلم أن المقصود من هذا أن الكفار افتخروا بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين ، فبين الله تعالى أن ذلك مما لا يوجب الافتخار ، لاحتمال أن يصير الفقير غنيا والغني فقيرا ، أما
nindex.php?page=treesubj&link=32502_32506الذي يجب حصول المفاخرة به ، فطاعة الله وعبادته ، وهي حاصلة لفقراء المؤمنين ، وبين ذلك بضرب هذا المثل المذكور في الآية ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=32واضرب لهم مثلا رجلين ) أي : مثل حال الكافرين والمؤمنين بحال رجلين كانا أخوين في
بني إسرائيل أحدهما كافر اسمه
براطوس والآخر مؤمن اسمه
يهوذا ، وقيل : هما المذكوران في سورة الصافات في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=51قال قائل منهم إني كان لي قرين ) ( الصافات : 51 ) ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار ، فأخذ كل واحد منهما النصف فاشترى الكافر أرضا ، فقال المؤمن : اللهم إني أشتري منك أرضا في الجنة بألف ، فتصدق به ، ثم بنى أخوه دارا بألف ، فقال المؤمن : اللهم إني اشتري منك دارا في الجنة بألف فتصدق به ، ثم تزوج أخوه امرأة بألف ، فقال المؤمن : اللهم إني جعلت ألفا صداقا للحور العين ، ثم اشترى أخوه خدما وضياعا بألف ، فقال المؤمن :
[ ص: 106 ] اللهم إني اشتريت منك الولدان بألف فتصدق به ، ثم أصابه حاجة ، فجلس لأخيه على طريقه فمر به في حشمه فتعرض له فطرده ووبخه على التصدق بماله ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=32جعلنا لأحدهما جنتين ) ، فاعلم أن الله تعالى وصف تلك الجنة بصفات :
الصفة الأولى : كونها جنة ، وسمي البستان جنة ؛ لاستتار ما يستتر فيها بظل الأشجار ، وأصل الكلمة من الستر والتغطية .
والصفة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=32وحففناهما بنخل ) أي وجعلنا النخل محيطا بالجنتين ، نظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وترى الملائكة حافين من حول العرش ) ( الزمر : 75 ) أي واقفين حول العرش محيطين به ، والحفاف جانب الشيء ، والأحفة جمع ، فمعنى قول القائل : حف به القوم أي صاروا في أحفته ، وهي جوانبه ، قال الشاعر :
له لحظات في حفافي سريره إذا كرها فيها عقاب ونائل
قال صاحب "الكشاف" : حفوه إذا طافوا به ، وحففته بهم أي جعلتهم حافين حوله ، وهو متعد إلى مفعول واحد ، فتزيده الباء مفعولا ثانيا ، كقوله : غشيته وغشيته به ، قال : وهذه الصفة مما يؤثرها الدهاقين في كرومهم ، وهي أن يجعلوها محفوفة بالأشجار المثمرة ، وهو أيضا حسن في المنظر .
الصفة الثالثة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=32وجعلنا بينهما زرعا ) والمقصود منه أمور :
أحدها : أن تكون تلك الأرض جامعة للأقوات والفواكه .
وثانيها : أن تكون تلك الأرض متسعة الأطراف متباعدة الأكناف ، ومع ذلك فإنها لم يتوسطها ما يقطع بعضها عن بعض .
وثالثها : أن مثل هذه الأرض تأتي في كل وقت بمنفعة أخرى ، وهي ثمرة أخرى ، فكانت منافعها دارة متواصلة .
الصفة الرابعة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا ) كلا اسم مفرد معرفة يؤكد به مذكران معرفتان ، وكلتا اسم مفرد يؤكد به مؤنثان معرفتان ، وإذا أضيفا إلى المظهر كانا بالألف في الأحوال الثلاثة ، كقولك : جاءني كلا أخويك ، ورأيت كلا أخويك ، ومررت بكلا أخويك ، وجاءني كلتا أختيك ، ورأيت كلتا أختيك ، ومررت بكلتا أختيك ، وإذا أضيفا إلى المضمر كانا في الرفع بالألف ، وفي الجر والنصب بالياء وبعضهم يقول : مع المضمر بالألف في الأحوال الثلاثة أيضا ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33آتت أكلها ) حمل على اللفظ لأن كلتا لفظه لفظ مفرد ، ولو قيل : آتتا على المعنى لجاز ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33ولم تظلم منه شيئا ) أي لم تنقص والظلم النقصان ، يقول الرجل : ظلمني حقي أي نقصني .
الصفة الخامسة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33وفجرنا خلالهما نهرا ) أي كان النهر يجري في داخل تلك الجنتين ، وفي قراءة
يعقوب وفجرنا مخففة وفي قراءة الباقين : (وفجرنا) مشددة ، والتخفيف هو الأصل ؛ لأنه نهر واحد والتشديد على المبالغة ؛ لأن النهر يمتد فيكون كأنهار و(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33خلالهما ) أي وسطهما وبينهما ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=47ولأوضعوا خلالكم ) ( التوبة : 47 ) . ومنه يقال : خللت القوم أي دخلت بين القوم .
الصفة السادسة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34وكان له ثمر ) قرأ
عاصم بفتح الثاء والميم في الموضعين ، وهو جمع ثمار أو ثمرة ، وقرأ
أبو عمرو بضم الثاء وسكون الميم في الحرفين ، والباقون بضم الثاء والميم في الحرفين ذكر أهل اللغة : أنه بالضم أنواع الأموال من الذهب والفضة وغيرهما ، وبالفتح حمل الشجر ، قال
قطرب : كان
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو بن العلاء يقول : الثمر المال والولد ، وأنشد
للحارث بن كلدة :
ولقد رأيت معاشرا قد أثمروا مالا وولدا
وقال
النابغة :
مهلا فداء لك الأقوام كلهم ما أثمروه أمن مال ومن ولد
[ ص: 107 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34وكان له ثمر ) أي أنواع من المال من ثمر ماله إذا كثر ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : الذهب والفضة : أي كان مع الجنتين أشياء من النقود ، ولما ذكر الله تعالى هذه الصفات قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) والمعنى : أن المسلم كان يحاوره بالوعظ والدعاء إلى الإيمان بالله وبالبعث ، والمحاورة مراجعة الكلام من قولهم : حار إذا رجع ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=14إنه ظن أن لن يحور nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=15بلى ) ( الانشقاق : 14 - 15 ) ، فذكر تعالى أن عند هذه المحاورة قال الكافر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) والنفر عشيرة الرجل وأصحابه الذين يقومون بالذب عنه وينفرون معه ، وحاصل الكلام أن
nindex.php?page=treesubj&link=32506_32507_18682الكافر ترفع على المؤمن بجاهه وماله ، ثم إنه أراد أن يظهر لذلك المسلم كثرة ماله ، فأخبر الله تعالى عن هذه الحالة ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=35ودخل جنته ) وأراه إياها على الحالة الموجبة للبهجة والسرور وأخبره بصنوف ما يملكه من المال ، فإن قيل : لم أفرد الجنة بعد التثنية ؟ قلنا : المراد أنه ليس له جنة ولا نصيب في الجنة التي وعد المتقون المؤمنون ، وهذا الذي ملكه في الدنيا هو جنته لا غير ، ولم يقصد الجنتين ولا واحدا منهما ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=35وهو ظالم لنفسه ) وهو اعتراض وقع في أثناء الكلام ، والمراد التنبيه على أنه لما اعتز بتلك النعم وتوسل بها إلى الكفران والجحود لقدرته على البعث كان واضعا تلك النعم في غير موضعها ، ثم حكى تعالى عن الكافر أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=35ما أظن أن تبيد هذه أبدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36وما أظن الساعة قائمة ) فجمع بين هذين ، فالأول قطعه بأن تلك الأشياء لا تهلك ولا تبيد أبدا مع أنها متغيرة متبدلة ، فإن قيل : هب أنه شك في القيامة ، فكيف قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=35ما أظن أن تبيد هذه أبدا ) مع أن الحدس يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29497أحوال الدنيا بأسرها ذاهبة باطلة غير باقية ؟ قلنا : المراد أنها لا تبيد مدة حياته ووجوده ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ) أي مرجعا وعاقبة وانتصابه على التمييز ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=50ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ) ( فصلت : 50 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=77لأوتين مالا وولدا ) ( مريم : 77 ) والسبب في وقوع هذه الشبهة : أنه تعالى لما أعطاه المال في الدنيا ظن أنه إنما أعطاه ذلك لكونه مستحقا له ، والاستحقاق باق بعد الموت فوجب حصول العطاء ، والمقدمة الأولى كاذبة فإن فتح باب الدنيا على الإنسان يكون في أكثر الأمر للاستدراك والتملية ، قرأ
نافع ،
وابن كثير خيرا منهما ، والمقصود عود الكناية إلى الجنتين ، والباقون منها ، والمقصود عود الكناية إلى الجنة التي دخلها
[ ص: 105 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=32وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=35وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=39وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=40فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=41أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=42وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=43وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=44هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=32وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=35وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=39وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=40فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=41أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=42وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=43وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=44هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا )
اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْكُفَّارَ افْتَخَرُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْصَارِهِمْ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُوجِبُ الِافْتِخَارَ ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَصِيرَ الْفَقِيرُ غَنِيًّا وَالْغَنِيُّ فَقِيرًا ، أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=32502_32506الَّذِي يَجِبُ حُصُولُ الْمُفَاخِرَةِ بِهِ ، فَطَاعَةُ اللَّهِ وَعِبَادَتُهُ ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ لِفُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِضَرْبِ هَذَا الْمَثَلِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=32وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ ) أَيْ : مَثَلَ حَالِ الْكَافِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِحَالِ رَجُلَيْنِ كَانَا أَخَوَيْنِ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ أَحَدُهُمَا كَافِرٌ اسْمُهُ
بَرَاطُوسَ وَالْآخَرُ مُؤْمِنٌ اسْمُهُ
يَهُوذَا ، وَقِيلَ : هُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=51قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ) ( الصَّافَّاتِ : 51 ) وَرِثَا مِنْ أَبِيهِمَا ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِينَارٍ ، فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ فَاشْتَرَى الْكَافِرُ أَرْضًا ، فَقَالَ الْمُؤْمِنُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْتَرِي مِنْكَ أَرْضًا فِي الْجَنَّةِ بِأَلْفٍ ، فَتَصَدَّقَ بِهِ ، ثُمَّ بَنَى أَخُوهُ دَارَا بِأَلْفٍ ، فَقَالَ الْمُؤْمِنُ : اللَّهُمَّ إِنِّي اشْتَرِي مِنْكَ دَارَا فِي الْجَنَّةِ بِأَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهِ ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أَخُوهُ امْرَأَةً بِأَلْفٍ ، فَقَالَ الْمُؤْمِنُ : اللَّهُمَّ إِنِّي جَعَلْتُ أَلْفًا صَدَاقًا لِلْحُورِ الْعِينِ ، ثُمَّ اشْتَرَى أَخُوهُ خَدَمًا وَضِيَاعًا بِأَلْفٍ ، فَقَالَ الْمُؤْمِنُ :
[ ص: 106 ] اللَّهُمَّ إِنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الْوِلْدَانَ بِأَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهِ ، ثُمَّ أَصَابَهُ حَاجَةٌ ، فَجَلَسَ لِأَخِيهِ عَلَى طَرِيقِهِ فَمَرَّ بِهِ فِي حَشَمِهِ فَتَعَرَّضَ لَهُ فَطَرَدَهُ وَوَبَّخَهُ عَلَى التَّصَدُّقِ بِمَالِهِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=32جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ) ، فَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ تِلْكَ الْجَنَّةَ بِصِفَاتٍ :
الصِّفَةُ الْأُولَى : كَوْنُهَا جَنَّةً ، وَسُمِّيَ الْبُسْتَانُ جَنَّةً ؛ لِاسْتِتَارِ مَا يَسْتَتِرُ فِيهَا بِظِلِّ الْأَشْجَارِ ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ السَّتْرِ وَالتَّغْطِيَةِ .
وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=32وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ ) أَيْ وَجَعَلْنَا النَّخْلَ مُحِيطًا بِالْجَنَّتَيْنِ ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) ( الزُّمَرِ : 75 ) أَيْ وَاقِفِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ مُحِيطِينَ بِهِ ، وَالْحِفَافُ جَانِبُ الشَّيْءِ ، وَالْأَحِفَّةُ جَمْعٌ ، فَمَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ : حَفَّ بِهِ الْقَوْمُ أَيْ صَارُوا فِي أَحِفَّتِهِ ، وَهِيَ جَوَانِبُهُ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
لَهُ لَحَظَاتٌ فِي حَفَافَيْ سَرِيرِهِ إِذَا كَرَّهَا فِيهَا عِقَابٌ وَنَائِلُ
قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : حَفُّوهُ إِذَا طَافُوا بِهِ ، وَحَفَّفْتُهُ بِهِمْ أَيْ جَعَلْتُهُمْ حَافِّينَ حَوْلَهُ ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ ، فَتَزِيدُهُ الْبَاءُ مَفْعُولًا ثَانِيًا ، كَقَوْلِهِ : غَشِيتُهُ وَغَشِيتُهُ بِهِ ، قَالَ : وَهَذِهِ الصِّفَةُ مِمَّا يُؤْثِرُهَا الدَّهَّاقِينُ فِي كُرُومِهِمْ ، وَهِيَ أَنْ يَجْعَلُوهَا مَحْفُوفَةً بِالْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ ، وَهُوَ أَيْضًا حُسْنٌ فِي الْمَنْظَرِ .
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=32وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ) وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أُمُورٌ :
أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَرْضُ جَامِعَةً لِلْأَقْوَاتِ وَالْفَوَاكِهِ .
وَثَانِيهَا : أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَرْضُ مُتَّسِعَةَ الْأَطْرَافِ مُتَبَاعِدَةَ الْأَكْنَافِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَمْ يَتَوَسَّطْهَا مَا يَقْطَعُ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأَرْضِ تَأْتِي فِي كُلِّ وَقْتٍ بِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى ، وَهِيَ ثَمَرَةٌ أُخْرَى ، فَكَانَتْ مَنَافِعُهَا دَارَّةً مُتَوَاصِلَةً .
الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ) كِلَا اسْمٌ مُفْرَدٌ مَعْرِفَةٌ يُؤَكَّدُ بِهِ مُذَكَّرَانِ مَعْرِفَتَانِ ، وَكِلْتَا اسْمٌ مُفْرَدٌ يُؤَكَّدُ بِهِ مُؤَنَّثَانِ مَعْرِفَتَانِ ، وَإِذَا أُضِيفَا إِلَى الْمُظْهَرِ كَانَا بِالْأَلِفِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ ، كَقَوْلِكَ : جَاءَنِي كِلَا أَخَوَيْكَ ، وَرَأَيْتُ كِلَا أَخَوَيْكَ ، وَمَرَرْتُ بِكِلَا أَخَوَيْكَ ، وَجَاءَنِي كِلْتَا أُخْتَيْكَ ، وَرَأَيْتُ كِلْتَا أُخْتَيْكَ ، وَمَرَرْتُ بِكِلْتَا أُخْتَيْكَ ، وَإِذَا أُضِيفَا إِلَى الْمُضْمَرِ كَانَا فِي الرَّفْعِ بِالْأَلِفِ ، وَفِي الْجَرِّ وَالنَّصْبِ بِالْيَاءِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : مَعَ الْمُضْمَرِ بِالْأَلِفِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33آتَتْ أُكُلَهَا ) حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ لِأَنَّ كِلْتَا لَفْظُهُ لَفْظُ مُفْرَدٍ ، وَلَوْ قِيلَ : آتَتَا عَلَى الْمَعْنَى لَجَازَ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ) أَيْ لَمْ تَنْقُصْ وَالظُّلْمُ النُّقْصَانُ ، يَقُولُ الرَّجُلُ : ظَلَمَنِي حَقِّي أَيْ نَقَصَنِي .
الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ) أَيْ كَانَ النَّهْرُ يَجْرِي فِي دَاخِلِ تِلْكَ الْجَنَّتَيْنِ ، وَفِي قِرَاءَةِ
يَعْقُوبَ وَفَجَرْنَا مُخَفَّفَةً وَفِي قِرَاءَةِ الْبَاقِينَ : (وَفَجَّرْنَا) مُشَدَّدَةً ، وَالتَّخْفِيفُ هُوَ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّهُ نَهْرٌ وَاحِدٌ وَالتَّشْدِيدُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ ؛ لِأَنَّ النَّهْرَ يَمْتَدُّ فَيَكُونُ كَأَنْهَارٍ وَ(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=33خِلَالَهُمَا ) أَيْ وَسَطَهُمَا وَبَيْنَهُمَا ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=47وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ ) ( التَّوْبَةِ : 47 ) . وَمِنْهُ يُقَالُ : خَلَّلْتُ الْقَوْمَ أَيْ دَخَلْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ .
الصِّفَةُ السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ) قَرَأَ
عَاصِمٌ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْمِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَهُوَ جَمْعُ ثِمَارٍ أَوْ ثَمَرَةٍ ، وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو بِضَمِّ الثَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ فِي الْحَرْفَيْنِ ، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ فِي الْحَرْفَيْنِ ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ : أَنَّهُ بِالضَّمِّ أَنْوَاعُ الْأَمْوَالِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَبِالْفَتْحِ حَمْلُ الشَّجَرِ ، قَالَ
قُطْرُبٌ : كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ يَقُولُ : الثُّمْرُ الْمَالُ وَالْوَلَدُ ، وَأَنْشَدَ
لِلْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ :
وَلَقَدْ رَأَيْتُ مَعَاشِرًا قَدْ أَثْمَرُوا مَالًا وَوَلَدًا
وَقَالَ
النَّابِغَةُ :
مَهْلًا فِدَاءٌ لَكَ الْأَقْوَامُ كُلُّهُمْ مَا أَثْمَرُوهُ أَمِنْ مَالٍ وَمِنْ وَلَدِ
[ ص: 107 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ) أَيْ أَنْوَاعٌ مِنَ الْمَالِ مِنْ ثَمَرَ مَالُهُ إِذَا كَثُرَ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ : الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ : أَيْ كَانَ مَعَ الْجَنَّتَيْنِ أَشْيَاءُ مِنَ النُّقُودِ ، وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الصِّفَاتِ قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْمُسْلِمَ كَانَ يُحَاوِرُهُ بِالْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِالْبَعْثِ ، وَالْمُحَاوَرَةُ مُرَاجَعَةُ الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِهِمْ : حَارَ إِذَا رَجَعَ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=14إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=15بَلَى ) ( الِانْشِقَاقِ : 14 - 15 ) ، فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ عِنْدَ هَذِهِ الْمُحَاوَرَةِ قَالَ الْكَافِرُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) وَالنَّفَرُ عَشِيرَةُ الرَّجُلِ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِالذَّبِّ عَنْهُ وَيَنْفِرُونَ مَعَهُ ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32506_32507_18682الْكَافِرَ تَرَفَّعَ عَلَى الْمُؤْمِنِ بِجَاهِهِ وَمَالِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ لِذَلِكَ الْمُسْلِمِ كَثْرَةَ مَالِهِ ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْحَالَةِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=35وَدَخَلَ جَنَّتَهُ ) وَأَرَاهُ إِيَّاهَا عَلَى الْحَالَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ وَأَخْبَرَهُ بِصُنُوفِ مَا يَمْلِكُهُ مِنَ الْمَالِ ، فَإِنْ قِيلَ : لِمَ أَفْرَدَ الْجَنَّةَ بَعْدَ التَّثْنِيَةِ ؟ قُلْنَا : الْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جَنَّةٌ وَلَا نَصِيبٌ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ الْمُؤْمِنُونَ ، وَهَذَا الَّذِي مَلَكَهُ فِي الدُّنْيَا هُوَ جَنَّتُهُ لَا غَيْرَ ، وَلَمْ يَقْصِدِ الْجَنَّتَيْنِ وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=35وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ) وَهُوَ اعْتِرَاضٌ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ ، وَالْمُرَادُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا اعْتَزَّ بِتِلْكَ النِّعَمِ وَتَوَسَّلَ بِهَا إِلَى الْكُفْرَانِ وَالْجُحُودِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْبَعْثِ كَانَ وَاضِعًا تِلْكَ النِّعَمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ، ثُمَّ حَكَى تَعَالَى عَنِ الْكَافِرِ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=35مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ) فَجَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ ، فَالْأَوَّلُ قَطَعَهُ بِأَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ لَا تَهْلِكُ وَلَا تَبِيدُ أَبَدًا مَعَ أَنَّهَا مُتَغَيِّرَةٌ مُتَبَدِّلَةٌ ، فَإِنْ قِيلَ : هَبْ أَنَّهُ شَكَّ فِي الْقِيَامَةِ ، فَكَيْفَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=35مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ) مَعَ أَنَّ الْحَدْسَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29497أَحْوَالَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا ذَاهِبَةٌ بَاطِلَةٌ غَيْرُ بَاقِيَةٍ ؟ قُلْنَا : الْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَبِيدُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَوُجُودِهِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ) أَيْ مَرْجِعًا وَعَاقِبَةً وَانْتِصَابُهُ عَلَى التَّمْيِيزِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=50وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى ) ( فُصِّلَتْ : 50 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=77لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ) ( مَرْيَمَ : 77 ) وَالسَّبَبُ فِي وُقُوعِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَعْطَاهُ الْمَالَ فِي الدُّنْيَا ظَنَّ أَنَّهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا لَهُ ، وَالِاسْتِحْقَاقُ بَاقٍ بَعْدِ الْمَوْتِ فَوَجَبَ حُصُولُ الْعَطَاءِ ، وَالْمُقْدِمَةُ الْأُولَى كَاذِبَةٌ فَإِنَّ فَتْحَ بَابِ الدُّنْيَا عَلَى الْإِنْسَانِ يَكُونُ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ لِلِاسْتِدْرَاكِ وَالتَّمْلِيَةِ ، قَرَأَ
نَافِعٌ ،
وَابْنُ كَثِيرٍ خَيْرًا مِنْهُمَا ، وَالْمَقْصُودُ عَوْدُ الْكِنَايَةِ إِلَى الْجَنَّتَيْنِ ، وَالْبَاقُونَ مِنْهَا ، وَالْمَقْصُودُ عَوْدُ الْكِنَايَةِ إِلَى الْجَنَّةِ الَّتِي دَخَلَهَا