الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - جل وعلا -: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ؛ اللام مسكنة؛ وأصلها الكسر؛ الأصل: " ولتكن منكم " ؛ ولكن الكسرة حذفت لأن الواو صارت مع الكلمة كحرف واحد؛ وألزمت الحذف؛ وإن قرئت: [ ص: 452 ] " ولتكن " ؛ بالكسر؛ فجيد على الأصل؛ ولكن التخفيف أجود؛ وأكثر في كلام العرب؛ ومعنى " ولتكن منكم أمة " - والله أعلم -: ولتكونوا كلكم أمة تدعون إلى الخير؛ وتأمرون بالمعروف؛ ولكن " من " ؛ تدخل ههنا لتخص المخاطبين من سائر الأجناس؛ وهي مؤكدة أن الأمر للمخاطبين؛ ومثل هذا من كتاب الله: فاجتنبوا الرجس من الأوثان ؛ ليس يأمرهم باجتناب بعض الأوثان؛ ولكن المعنى: اجتنبوا الأوثان؛ فإنها رجس؛ ومثله من الشعر قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        أخو رغائب يعطيها ويسألها ... يأبى الظلامة منه النوفل الزفر



                                                                                                                                                                                                                                        أي: هو النوفل الزفر؛ لأنه قد وصفه بإعطاء الرغائب؛ و " النوفل " : الكثير الإعطاء للنوافل؛ و " الزفر " : الذي يحمل الأثقال؛ والدليل على أنهم أمروا كلهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوله - جل وعلا -: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ؛ ويجوز أن تكون أمرت منهم فرقة؛ لأن قوله: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ؛ ذكر الدعاة إلى الإيمان؛ والدعاة ينبغي أن يكونوا علماء بما يدعون إليه؛ [ ص: 453 ] وليس الخلق كلهم علماء؛ والعلم ينوب فيه بعض الناس عن بعض؛ وكذلك الجهاد؛ وقوله - جل وعلا -: وأولئك هم المفلحون ؛ أي: والذين ذكرناهم المفلحون؛ و " المفلح " : الفائز بما يغتبط به؛ و " هم " ؛ جائز أن يكون ابتداء؛ و " المفلحون " ؛ خبر " أولئك " ؛ و " هم " ؛ فصل؛ وهو الذي يسميه الكوفيون العماد.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية