الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 242 ] فصل

              ومن ذلك أنه نقل عن سهل بن عبد الله في فهم القرآن أشياء مما يعد من باطنه ; فقد ذكر عنه أنه قال في قوله تعالى : فلا تجعلوا لله أندادا [ البقرة : 22 ] أي أضدادا قال : وأكبر الأنداد النفس الأمارة بالسوء الطواعة إلى حظوظها ومناها بغير هدى من الله وهذا يشير إلى أن النفس الأمارة داخلة تحت عموم الأنداد ، حتى لو فصل لكان المعنى : فلا تجعلوا لله أندادا لا صنما ولا شيطانا ولا النفس ولا كذا وهذا مشكل الظاهر جدا ; إذ كان مساق الآية ومحصول القرائن فيها يدل على أن الأنداد الأصنام أو غيرها مما كانو يعبدون ، ولم يكونوا يعبدون أنفسهم ولا [ ص: 243 ] يتخذونها أربابا ولكن له وجه جار على الصحة ، وذلك أنه لم يقل إن هذا هو تفسير الآية ، ولكن أتى بما هو ند في الاعتبار الشرعي الذي شهد له القرآن من جهتين : إحداهما : أن الناظر قد يأخذ من معنى الآية معنى من باب الاعتبار ; [ ص: 244 ] فيجريه فيما لم تنزل فيه لأنه يجامعه في القصد أو يقاربه ، لأن حقيقة الند أنه المضاد لنده الجاري على مناقضته ، والنفس الأمارة هذا شأنها ; لأنها تأمر صاحبها بمراعاة حظوظها ، لاهية أو صادة عن مراعاة حقوق خالقها ، وهذا هو الذي يعني به الند في نده ; لأن الأصنام نصبوها لهذا المعنى بعينه ، وشاهد صحة هذا الاعتبار قوله تعالى : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [ التوبة : 31 ] وهم لم يعبدوهم من دون الله ، ولكنهم ائتمروا بأوامرهم وانتهوا عما نهوهم عنه كيف كان ; فما حرموا عليهم حرموه ، وما أباحوا لهم حللوه ; فقال الله تعالى : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [ التوبة : 31 ] وهذا شأن المتبع لهوى نفسه

              والثانية : أن الآية وإن نزلت في أهل الأصنام ; فإن لأهل الإسلام فيها نظرا بالنسبة إليهم ، ألا ترى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبعض من توسع في الدنيا من أهل الإيمان : أين تذهب بكم هذه الآية : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا [ الأحقاف : 20 ] وكان هو يعتبر نفسه بها وإنما [ ص: 245 ] أنزلت في الكفار لقوله : ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم الآية [ الأحقاف : 20 ] ولهذا المعنى تقرير في العموم والخصوص ، فإذا كان كذلك صح التنزيل بالنسبة إلى النفس الأمارة في قوله : فلا تجعلوا لله أندادا [ البقرة : 22 ] والله أعلم .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية