(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا )
[ ص: 113 ] اعلم أنه تعالى لما بين خساسة الدنيا وشرف القيامة أردفه بأحوال القيامة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47ويوم نسير الجبال ) والمقصود منه الرد على المشركين الذي افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة الأموال والأعوان ، واختلفوا في الناصب لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47ويوم نسير الجبال ) على وجوه :
أحدها : أنه يكون التقدير ، واذكر لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47ويوم نسير الجبال ) عطفا على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=45واضرب لهم مثل الحياة الدنيا ) .
الثاني : أنه يكون التقدير : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47ويوم نسير الجبال ) حصل كذا وكذا يقال لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ) لأن القول مضمر في هذا الموضع فكان المعنى أنه يقال لهم : هذا في هذا الموضع .
الثالث : أن يكون التقدير (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=46وخير أملا ) في (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47ويوم نسير الجبال ) والأول أظهر .
إذا عرفت هذا فنقول : إنه ذكر في الآية من
nindex.php?page=treesubj&link=30296أحوال القيامة أنواعا :
النوع الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47ويوم نسير الجبال ) وفيه بحثان :
البحث الأول : قرأ
ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (تسير) على فعل ما لم يسم فاعله ، (الجبال) بالرفع بإسناد (تسير) إليه اعتبارا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=3وإذا الجبال سيرت ) ( التكوير : 3 ) والباقون (نسير) بإسناد فعل التسيير إلى نفسه تعالى ، (والجبال) بالنصب لكونه مفعول نسير ، والمعنى نحن نفعل بها ذلك اعتبارا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) والمعنى واحد ؛ لأنها إذا سيرت فمسيرها ليس إلا الله سبحانه .
ونقل صاحب الكشاف قراءة أخرى وهي : (تسير الجبال) بإسناد تسير إلى الجبال .
البحث الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47ويوم نسير الجبال ) ليس في لفظ الآية ما يدل على أنها إلى أين تسير ، فيحتمل أن يقال : إنه تعالى يسيرها إلى الموضع الذي يريده ولم يبين ذلك الموضع لخلقه ، والحق أن المراد : أنه تعالى يسيرها إلى العدم لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=105ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=106فيذرها قاعا صفصفا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=107لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) ( طه : 107 ) ولقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وبست الجبال بسا nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=6فكانت هباء منبثا ) ( الواقعة : 5 ) .
والنوع الثاني من أحوال القيامة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وترى الأرض بارزة ) وفي تفسيره وجوه :
أحدها : أنه لم يبق على وجهها شيء من العمارات ، ولا شيء من الجبال ، ولا شيء من الأشجار ، فبقيت بارزة ظاهرة ليس عليها ما يسترها ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=107لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) .
وثانيها : أن المراد من كونها بارزة أنها أبرزت ما في بطنها ، وقذفت الموتى المقبورين فيها ، فهي بارزة الجوف والبطن ، فحذف ذكر الجوف ، ودليله قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=4وألقت ما فيها وتخلت ) ( الانشقاق : 4 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=2وأخرجت الأرض أثقالها ) ( الزلزلة : 2 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=21وبرزوا لله جميعا ) ( إبراهيم : 21 ) .
وثالثها : أن وجوه الأرض كانت مستورة بالجبال والبحار ، فلما أفنى الله تعالى الجبال والبحار فقد برزت وجوه تلك البقاع بعد أن كانت مستورة .
والنوع الثالث من أحوال القيامة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) والمعنى : جمعناهم للحساب ، فلم نغادر منهم أحدا ، أي لم نترك من الأولين والآخرين أحدا إلا وجمعناهم لذلك اليوم ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=49قل إن الأولين والآخرين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=50لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ) ( الواقعة :49 - 50) ومعنى لم نغادر لم نترك ، يقال : غادره وأغدره إذا تركه ، ومنه الغدر ترك الوفاء ، ومنه الغدير ؛ لأنه ما تركته السيول ، ومنه سميت ضفيرة المرأة بالغديرة ؛ لأنها تجعلها خلفها .
ولما ذكر الله تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=30347_30349_30362حشر الخلق ذكر كيفية عرضهم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48وعرضوا على ربك صفا ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في تفسير الصف وجوه :
أحدها : أنه تعرض الخلق كلهم على الله صفا واحدا ظاهرين بحيث لا يحجب بعضهم بعضا ، قال
القفال : ويشبه أن يكون الصف راجعا إلى الظهور والبروز ، ومنه اشتق الصفصف للصحراء .
وثانيها : لا يبعد أن يكون الخلق صفوفا يقف بعضهم وراء بعض مثل الصفوف
[ ص: 114 ] المحيطة
بالكعبة التي يكون بعضها خلف بعض ، وعلى هذا التقدير : فالمراد من قوله : صفا صفوفا كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67يخرجكم طفلا ) ( غافر : 67 ) أي أطفالا .
وثالثها : صفا أي قياما ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36فاذكروا اسم الله عليها صواف ) ( الحج : 36 ) قالوا قياما .
المسألة الثانية : قالت
المشبهة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك والملك صفا صفا ) ( الفجر : 22 ) يدل على أنه تعالى يحضر في ذلك المكان وتعرض عليه أهل القيامة صفا ، وكذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48لقد جئتمونا ) يدل على أنه تعالى يحضر في ذلك المكان ، وأجيب عنه بأنه تعالى جعل وقوفهم في الموضع الذي يسألهم فيه عن أعمالهم ويحاسبهم عليها عرضا عليه ، لا على أنه تعالى يحضر في مكان وعرضوا عليه ليراهم بعد أن لم يكن يراهم ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ) وليس المراد حصول المساواة من كل الوجوه ؛ لأنهم خلقوا صغارا ولا عقل لهم ولا تكليف عليهم بل المراد أنه قال للمشركين المنكرين للبعث المفتخرين في الدنيا على فقراء المؤمنين بالأموال والأنصار : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ) عراة حفاة بغير أموال ولا أعوان ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ) ( الأنعام : 94 ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=77أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=80ويأتينا فردا ) ( مريم : 80 ) ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ) أي كنتم مع التعزز على المؤمنين بالأموال والأنصار تنكرون البعث والقيامة ، فالآن قد تركتم الأموال والأنصار في الدنيا وشاهدتم أن البعث والقيامة حق ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49ووضع الكتاب ) والمراد : أنه يوضع في هذا اليوم كتاب كل إنسان في يده ، إما في اليمين أو في الشمال ، والمراد الجنس وهو
nindex.php?page=treesubj&link=30497_30356_30362_30364صحف الأعمال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49فترى المجرمين مشفقين مما فيه ) أي خائفين مما في الكتاب من أعمالهم الخبيثة وخائفين من ظهور ذلك لأهل الموقف فيفتضحون ، وبالجملة يحصل لهم خوف العقاب من الحق وخوف الفضيحة عند الخلق ، ويقولون : يا ويلتنا ينادون هلكتهم التي هلكوها خاصة من بين الهلكات : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) وهي عبارة عن الإحاطة بمعنى لا يترك شيئا من المعاصي سواء كانت صغيرة أو كبيرة إلا وهي مذكورة في هذا الكتاب ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=10وإن عليكم لحافظين nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=11كراما كاتبين nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=12يعلمون ما تفعلون ) ( الانفطار : 10 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=29إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) ( الجاثية : 29 ) وإدخال تاء التأنيث في الصغيرة والكبيرة على تقدير أن المراد الفعلة الصغيرة والكبيرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49إلا أحصاها ) إلا ضبطها وحصرها ، قال بعض العلماء : ضجوا من الصغائر قبل الكبائر ؛ لأن تلك الصغائر هي التي جرتهم إلى الكبائر ، فاحترزوا من الصغائر جدا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49ووجدوا ما عملوا حاضرا ) في الصحف عتيدا أو جزاء ما عملوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49ولا يظلم ربك أحدا ) معناه : أنه لا يكتب عليه ما لم يفعل ، ولا يزيد في عقابه المستحق ، ولا يعذب أحدا بجرم غيره ، بقي في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال
الجبائي : هذه الآية تدل على فساد قول
المجبرة في مسائل : أحدها : أنه لو عذب عباده من غير فعل صدر منهم لكان ظالما .
وثانيها : أنه لا يعذب الأطفال بغير ذنب .
وثالثها : بطلان قولهم : لله
[ ص: 115 ] أن يفعل ما يشاء ويعذب من غير جرم ؛ لأن الخلق خلقه إذ لو كان كذلك لما كان لنفي الظلم عنه معنى لأن بتقدير أنه إذا فعل أي شيء أراد لم يكن ظلما منه لم يكن لقوله : إنه لا يظلم فائدة ، فيقال له :
أما الجواب عن الأولين : فهو المعارضة بالعلم والداعي .
وأما الجواب عن هذا الثالث : فهو أنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35ما كان لله أن يتخذ من ولد ) ( مريم : 35 ) ولم يدل هذا على أن اتخاذ الولد صحيح عليه ، فكذا ههنا .
المسألة الثانية : عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : "
nindex.php?page=treesubj&link=30355_29468يحاسب الناس في القيامة على ثلاثة يوسف ، وأيوب ، وسليمان ، فيدعو بالمملوك ويقول له : ما شغلك عني ، فيقول : جعلتني عبدا للآدمي فلم تفرغني ، فيدعو يوسف عليه السلام ، ويقول : كان هذا عبدا مثلك ، فلم يمنعه ذلك عن عبادتي فيؤمر به إلى النار ، ثم يدعو بالمبتلي فإذا قال : شغلتني بالبلاء دعا بأيوب عليه السلام فيقول : قد ابتليت هذا بأشد من بلائك ، فلم يمنعه ذلك عن عبادتي فيؤمر به إلى النار ، ثم يؤتى بالملك في الدنيا مع ما آتاه الله من الغنى والسعة ، فيقول : ماذا عملت فيما آتيتك ؟ فيقول : شغلني الملك عن ذلك ، فيدعى بسليمان عليه السلام ، فيقول : هذا عبدي سليمان آتيته أكثر ما آتيتك ، فلم يشغله ذلك عن عبادتي ، اذهب فلا عذر لك ، ويؤمر به إلى النار " ، وعن
معاذ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013144nindex.php?page=treesubj&link=30355_29468لن يزول قدم العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن جسده فيما أبلاه ، وعن عمره فيما أفناه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه كيف عمل به .
المسألة الثالثة : دلت الآية على إثبات
nindex.php?page=treesubj&link=27522صغائر وكبائر في الذنوب ، وهذا متفق عليه بين المسلمين إلا أنهم اختلفوا في تفسيره ، فقالت
المعتزلة : الكبيرة ما يزيد عقابه على ثواب فاعله ، والصغيرة ما ينقص عقابه عن ثواب فاعله ، واعلم أن هذا الحد إنما يصح لو ثبت أن الفعل يوجب ثوابا وعقابا ، وذلك عندنا باطل لوجوه كثيرة ذكرناها في سورة البقرة ، في إبطال القول بالإحباط والتكفير بل الحق عندنا أن الطاعات محصورة في نوعين : التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله فكل ما كان أقوى في كونه جهلا بالله كان أعظم في كونه كبيرة ، وكل ما كان أقوى في كونه إضرارا بالغير كان أكثر في كونه ذنبا أو معصية فهذا هو الضبط .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )
[ ص: 113 ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ خَسَاسَةَ الدُّنْيَا وَشَرَفَ الْقِيَامَةِ أَرْدَفَهُ بِأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ ) وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِي افْتَخَرُوا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْوَانِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي النَّاصِبِ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ ) عَلَى وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ يَكُونُ التَّقْدِيرُ ، وَاذْكُرْ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ ) عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=45وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) .
الثَّانِي : أَنَّهُ يَكُونُ التَّقْدِيرُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ ) حَصَلَ كَذَا وَكَذَا يُقَالُ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) لِأَنَّ الْقَوْلَ مُضْمَرٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ : هَذَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=46وَخَيْرٌ أَمَلًا ) فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ ) وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْآيَةِ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30296أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ أَنْوَاعًا :
النَّوْعُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ ) وَفِيهِ بَحْثَانِ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ (تُسَيَّرُ) عَلَى فِعْلِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ ، (الْجِبَالُ) بِالرَّفْعِ بِإِسْنَادِ (تُسَيَّرُ) إِلَيْهِ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=3وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) ( التَّكْوِيرِ : 3 ) وَالْبَاقُونَ (نَسَيِّرُ) بِإِسْنَادِ فِعْلِ التَّسْيِيرِ إِلَى نَفْسِهِ تَعَالَى ، (وَالْجِبَالَ) بِالنَّصْبِ لِكَوْنِهِ مَفْعُولَ نُسَيِّرُ ، وَالْمَعْنَى نَحْنُ نَفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهَا إِذَا سُيِّرَتْ فَمُسَيِّرُهَا لَيْسَ إِلَّا اللَّهَ سُبْحَانَهُ .
وَنَقَلَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ قِرَاءَةً أُخْرَى وَهِيَ : (تَسِيرُ الْجِبَالُ) بِإِسْنَادِ تَسِيرُ إِلَى الْجِبَالِ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ ) لَيْسَ فِي لَفْظِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إِلَى أَيْنَ تَسِيرُ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ تَعَالَى يُسَيِّرُهَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُرِيدُهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لِخَلْقِهِ ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ : أَنَّهُ تَعَالَى يُسَيِّرُهَا إِلَى الْعَدَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=105وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=106فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=107لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ) ( طَهَ : 107 ) وَلِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=6فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ) ( الْوَاقِعَةِ : 5 ) .
وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً ) وَفِي تَفْسِيرِهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِهَا شَيْءٌ مِنَ الْعِمَارَاتِ ، وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْجِبَالِ ، وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْأَشْجَارِ ، فَبَقِيَتْ بَارِزَةً ظَاهِرَةً لَيْسَ عَلَيْهَا مَا يَسْتُرُهَا ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=107لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ) .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَوْنِهَا بَارِزَةً أَنَّهَا أَبْرَزَتْ مَا فِي بَطْنِهَا ، وَقَذَفَتِ الْمَوْتَى الْمَقْبُورِينَ فِيهَا ، فَهِيَ بَارِزَةُ الْجَوْفِ وَالْبَطْنِ ، فَحُذِفَ ذِكْرُ الْجَوْفِ ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=4وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ) ( الِانْشِقَاقِ : 4 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=2وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) ( الزَّلْزَلَةِ : 2 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=21وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا ) ( إِبْرَاهِيمَ : 21 ) .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ وُجُوهَ الْأَرْضِ كَانَتْ مَسْتُورَةً بِالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ ، فَلَمَّا أَفْنَى اللَّهُ تَعَالَى الْجِبَالَ وَالْبِحَارَ فَقَدْ بَرَزَتْ وُجُوهُ تِلْكَ الْبِقَاعِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَسْتُورَةً .
وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) وَالْمَعْنَى : جَمَعْنَاهُمْ لِلْحِسَابِ ، فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ، أَيْ لَمْ نَتْرُكْ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ أَحَدًا إِلَّا وَجَمَعْنَاهُمْ لِذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=49قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=50لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ) ( الْوَاقِعَةِ :49 - 50) وَمَعْنَى لَمْ نُغَادِرْ لَمْ نَتْرُكْ ، يُقَالُ : غَادَرَهُ وَأَغْدَرَهُ إِذَا تَرَكَهُ ، وَمِنْهُ الْغَدْرُ تَرْكُ الْوَفَاءِ ، وَمِنْهُ الْغَدِيرُ ؛ لِأَنَّهُ مَا تَرَكَتْهُ السُّيُولُ ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ ضَفِيرَةُ الْمَرْأَةِ بِالْغَدِيرَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَجْعَلُهَا خَلْفَهَا .
وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=30347_30349_30362حَشْرَ الْخَلْقِ ذَكَرَ كَيْفِيَّةَ عَرْضِهِمْ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي تَفْسِيرِ الصَّفِّ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ تُعْرَضُ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى اللَّهِ صَفًّا وَاحِدًا ظَاهِرِينَ بِحَيْثُ لَا يَحْجُبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، قَالَ
الْقَفَّالُ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الصَّفُّ رَاجِعًا إِلَى الظُّهُورِ وَالْبُرُوزِ ، وَمِنْهُ اشْتُقَّ الصَّفْصَفُ لِلصَّحْرَاءِ .
وَثَانِيهَا : لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ صُفُوفًا يَقِفُ بَعْضُهُمْ وَرَاءَ بَعْضٍ مِثْلَ الصُّفُوفِ
[ ص: 114 ] الْمُحِيطَةِ
بِالْكَعْبَةِ الَّتِي يَكُونُ بَعْضُهَا خَلْفَ بَعْضٍ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ : فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : صَفًّا صُفُوفًا كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ) ( غَافِرٍ : 67 ) أَيْ أَطْفَالًا .
وَثَالِثُهَا : صَفًّا أَيْ قِيَامًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) ( الْحَجِّ : 36 ) قَالُوا قِيَامًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَتِ
الْمُشَبِّهَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) ( الْفَجْرِ : 22 ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَحْضُرُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَتُعْرَضُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْقِيَامَةِ صَفًّا ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48لَقَدْ جِئْتُمُونَا ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَحْضُرُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ وُقُوفَهُمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَسْأَلُهُمْ فِيهِ عَنْ أَعْمَالِهِمْ وَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيْهَا عَرْضًا عَلَيْهِ ، لَا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَحْضُرُ فِي مَكَانٍ وَعُرِضُوا عَلَيْهِ لِيَرَاهُمْ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُمْ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ حُصُولَ الْمُسَاوَاةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ ؛ لِأَنَّهُمْ خُلِقُوا صِغَارًا وَلَا عَقْلَ لَهُمْ وَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ الْمُفْتَخِرِينَ فِي الدُّنْيَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَنْصَارِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) عُرَاةً حُفَاةً بِغَيْرِ أَمْوَالٍ وَلَا أَعْوَانٍ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ) ( الْأَنْعَامِ : 94 ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=77أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=80وَيَأْتِينَا فَرْدًا ) ( مَرْيَمَ : 80 ) ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=48بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ) أَيْ كُنْتُمْ مَعَ التَّعَزُّزِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَنْصَارِ تُنْكِرُونَ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ ، فَالْآنَ قَدْ تَرَكْتُمُ الْأَمْوَالَ وَالْأَنْصَارَ فِي الدُّنْيَا وَشَاهَدْتُمْ أَنَّ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ حَقٌّ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49وَوُضِعَ الْكِتَابُ ) وَالْمُرَادُ : أَنَّهُ يُوضَعُ فِي هَذَا الْيَوْمِ كِتَابُ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي يَدِهِ ، إِمَّا فِي الْيَمِينِ أَوْ فِي الشَّمَالِ ، وَالْمُرَادُ الْجِنْسُ وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=30497_30356_30362_30364صُحُفُ الْأَعْمَالِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ) أَيْ خَائِفِينَ مِمَّا فِي الْكِتَابِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ وَخَائِفِينَ مِنْ ظُهُورِ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ فَيَفْتَضِحُونَ ، وَبِالْجُمْلَةِ يَحْصُلُ لَهُمْ خَوْفُ الْعِقَابِ مِنَ الْحَقِّ وَخَوْفُ الْفَضِيحَةِ عِنْدَ الْخَلْقِ ، وَيَقُولُونَ : يَا وَيْلَتَنَا يُنَادُونَ هِلْكَتَهُمُ الَّتِي هَلَكُوهَا خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ الْهِلْكَاتِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ) وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِمَعْنَى لَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً إِلَّا وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=10وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=11كِرَامًا كَاتِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=12يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) ( الِانْفِطَارِ : 10 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=29إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( الْجَاثِيَةِ : 29 ) وَإِدْخَالُ تَاءِ التَّأْنِيثِ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ الْفِعْلَةُ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49إِلَّا أَحْصَاهَا ) إِلَّا ضَبَطَهَا وَحَصَرَهَا ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : ضَجُّوا مِنَ الصَّغَائِرِ قَبْلَ الْكَبَائِرِ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الصَّغَائِرَ هِيَ الَّتِي جَرَّتْهُمْ إِلَى الْكَبَائِرِ ، فَاحْتَرَزُوا مِنَ الصَّغَائِرِ جِدًّا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ) فِي الصُّحُفِ عَتِيدًا أَوْ جَزَاءَ مَا عَمِلُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) مَعْنَاهُ : أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْعَلْ ، وَلَا يَزِيدُ فِي عِقَابِهِ الْمُسْتَحَقِّ ، وَلَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِجُرْمِ غَيْرِهِ ، بَقِيَ فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ
الْجُبَّائِيُّ : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ
الْمُجَبِّرَةِ فِي مَسَائِلَ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَوْ عَذَّبَ عِبَادَهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ صَدَرَ مِنْهُمْ لَكَانَ ظَالِمًا .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ الْأَطْفَالَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ .
وَثَالِثُهَا : بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ : لِلَّهِ
[ ص: 115 ] أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَيُعَذِّبَ مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ خَلْقُهُ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ لِنَفْيِ الظُّلْمِ عَنْهُ مَعْنًى لَأَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ أَيَّ شَيْءٍ أَرَادَ لَمْ يَكُنْ ظُلْمًا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ : إِنَّهُ لَا يَظْلِمُ فَائِدَةٌ ، فَيُقَالُ لَهُ :
أَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلَيْنِ : فَهُوَ الْمُعَارَضَةُ بِالْعِلْمِ وَالدَّاعِي .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الثَّالِثِ : فَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ ) ( مَرْيَمَ : 35 ) وَلَمْ يَدُلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ اتِّخَاذَ الْوَلَدِ صَحِيحٌ عَلَيْهِ ، فَكَذَا هَهُنَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=treesubj&link=30355_29468يُحَاسَبُ النَّاسُ فِي الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ يُوسُفَ ، وَأَيُّوبَ ، وَسُلَيْمَانَ ، فَيَدْعُو بِالْمَمْلُوكِ وَيَقُولُ لَهُ : مَا شَغَلَكَ عَنِّي ، فَيَقُولُ : جَعَلْتَنِي عَبْدًا لِلْآدَمِيِّ فَلَمْ تُفَرِّغْنِي ، فَيَدْعُو يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَيَقُولُ : كَانَ هَذَا عَبْدًا مِثْلَكَ ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ عَنْ عِبَادَتِي فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ ، ثُمَّ يَدْعُو بِالْمُبْتَلِي فَإِذَا قَالَ : شَغَلْتَنِي بِالْبَلَاءِ دَعَا بِأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقُولُ : قَدِ ابْتَلَيْتُ هَذَا بِأَشَدَّ مِنْ بَلَائِكَ ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ عَنْ عِبَادَتِي فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمَلِكِ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا آتَاهُ اللَّهُ مِنَ الْغِنَى وَالسَّعَةِ ، فَيَقُولُ : مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ ؟ فَيَقُولُ : شَغَلَنِي الْمُلْكُ عَنْ ذَلِكَ ، فَيُدْعَى بِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَيَقُولُ : هَذَا عَبْدِي سُلَيْمَانُ آتَيْتُهُ أَكْثَرَ مَا آتَيْتُكَ ، فَلَمْ يَشْغَلْهُ ذَلِكَ عَنْ عِبَادَتِي ، اذْهَبْ فَلَا عُذْرَ لَكَ ، وَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ " ، وَعَنْ
مُعَاذٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013144nindex.php?page=treesubj&link=30355_29468لَنْ يَزُولَ قَدَمُ الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ : عَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ ، وَعَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ كَيْفَ عَمِلَ بِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى إِثْبَاتِ
nindex.php?page=treesubj&link=27522صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ فِي الذُّنُوبِ ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ ، فَقَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : الْكَبِيرَةُ مَا يَزِيدُ عِقَابُهُ عَلَى ثَوَابِ فَاعِلِهِ ، وَالصَّغِيرَةُ مَا يَنْقُصُ عِقَابُهُ عَنْ ثَوَابِ فَاعِلِهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدَّ إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْفِعْلَ يُوجِبُ ثَوَابًا وَعِقَابًا ، وَذَلِكَ عِنْدَنَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرْنَاهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، فِي إِبْطَالِ الْقَوْلِ بِالْإِحْبَاطِ وَالتَّكْفِيرِ بَلِ الْحَقُّ عِنْدَنَا أَنَّ الطَّاعَاتِ مَحْصُورَةٌ فِي نَوْعَيْنِ : التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَالشَّفَقَةُ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ فَكُلُّ مَا كَانَ أَقْوَى فِي كَوْنِهِ جَهْلًا بِاللَّهِ كَانَ أَعْظَمَ فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً ، وَكُلُّ مَا كَانَ أَقْوَى فِي كَوْنِهِ إِضْرَارًا بِالْغَيْرِ كَانَ أَكْثَرَ فِي كَوْنِهِ ذَنْبًا أَوْ مَعْصِيَةً فَهَذَا هُوَ الضَّبْطُ .