الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ما جاء في الحياء

                                                                                                          وحدثني عن مالك عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          2 - باب ما جاء في الحياء ، بالمد

                                                                                                          قال الراغب : الحياء انقباض النفس عن القبيح وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون كالبهيمة ، وهو مركب من خير وعفة ، ولذا لا يكون المستحي هجاعا ، وقلما يكون الشجاع مستحيا ، وقد يكون لمطلق الانقباض في بعض الصبيان انتهى ملخصا .

                                                                                                          وقال غيره : هو انقباض النفس خشية ارتكاب ما يكره ، أعم من أن يكون شرعيا أو عقليا أو عرفيا ، ومقابل الأول فاسق ، والثاني مجنون ، والثالث أبله .

                                                                                                          وقوله صلى الله عليه وسلم : " الحياء من الإيمان " ، أي : أثر من آثار الإيمان .

                                                                                                          وقال الحليمي : حقيقة الحياء خوف الذم بنسبة الشر إليه ، قال غيره : فإن كان في محرم فهو واجب ، وفي مكروه فمستحب ، وفي مباح فهو العرفي ، المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : " الحياء لا يأتي إلا بخير " ويجمع ذلك كله أن المباح [ ص: 405 ] إنما هو ما يقع على وفق الشرع إثباتا ونفيا .

                                                                                                          1678 1628 - ( مالك عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي ) بضم الزاي وفتح الراء وقاف الأنصاري المدني الثقة ، روى عن أبي سلمة وغيره وعنه مالك وغيره ( عن زيد ) كذا ليحيى .

                                                                                                          وقال القعنبي وابن القاسم وابن بكير وغيرهم : يزيد ، بياء أوله ، قال ابن عبد البر : وهو الصواب ( ابن طلحة بن ركانة ) بضم الراء ابن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي ، تابعي معروف ، ذكره بعضهم في الصحابة غلطا ، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال : وروى عن أبيه وأبي هريرة ومحمد ابن الحنفية وغيرهم .

                                                                                                          وعنه : سلمة وابن وهب وهو أخو محمد بن طلحة ، ومات في أول خلافة هشام ، قال ابن الحذاء : وهو من الشيوخ الذين أكتفي في معرفتهم برواية مالك عنهم ، قال الحافظ : وهو كلام فارغ وإنما يقال ذلك في من لم يعرف شخصه ولا نسبه ولا حاله ولا بلده وانفرد عنه واحد وهذا بخلاف ذلك كله .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : رواه جمهور الرواة عن مالك مرسلا .

                                                                                                          وقال وكيع وحده عن مالك عن سلمة عن يزيد بن طلحة عن أبيه ، فعلى قوله يكون الحديث مسندا ، وقد أنكره يحيى بن معين ، وقال : ليس فيه عن أبيه فهو مرسل . قال في الإصابة : كذا قال ، ولم يذكر طلحة في الاستيعاب ، وعليه تعقب آخر ، فإن الذي أخرجه الدارقطني في غرائب مالك ، أي : وابن عبد البر نفسه في التمهيد من طريق وكيع عن مالك عن سلمة عن يزيد بن ركانة عن أبيه ، فعلى هذا الصحبة لركانة .

                                                                                                          قال الدارقطني : ورواه علي بن يزيد الصدائي عن مالك كذلك ، لكن قال يزيد : طلحة بن ركانة ( يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكل دين خلق ) سجية شرعت فيه وحض أهل ذلك الدين عليها ( وخلق الإسلام الحياء ) أي : طبع هذا الدين وسجيته التي بها قوامه ومروءة الإسلام التي بها جماله الحياء وأصله من الحياة فإذا حيي القلب بالله ازداد منه حياء ، ألا ترى أن المستحيي يعرق وقت الحياء فعرقه من حرارة الحياء التي هاجت من الروح ، فمن هيجانه تفور منه الروح فيعرق منه الجسد ويعرق منه أعلاه ; لأن سلطان الحياء في الوجه والصدر وذلك من قوة الإسلام ; لأن الإسلام تسليم النفس ، والدين خضوعها وانقيادها ، فلذا صار الحياء خلقا للإسلام فيتواضع ويستحيي ، ذكره الحكيم محمد بن علي الترمذي ، وقال غيره [ ص: 406 ] يعني : الغالب على أهل كل دين سجية سوى الحياء ، والغالب على أهل الإسلام الحياء ; لأنه متمم لمكارم الأخلاق التي بعث صلى الله عليه وسلم لإتمامها ، ولما كان الإسلام أشرف الأديان أعطاه الله أسنى الأخلاق وأشرفها .

                                                                                                          قال الباجي : فيما شرع فيه الحياء بخلاف ما لم يشرع فيه كتعلم العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحكم بالحق والقيام به وأداء الشهادات على وجهها .




                                                                                                          الخدمات العلمية