(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا ) .
[ ص: 121 ] اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار جدالهم بالباطل وصفهم بعده بالصفات الموجبة للخزي والخذلان .
الصفة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=30549لا ظلم أعظم من كفر من ترد عليه الآيات والبينات ، فيعرض عنها وينسى ما قدمت يداه ؛ أي مع إعراضه عن التأمل في الدلائل والبينات يتناسى ما قدمت يداه من الأعمال المنكرة والمذاهب الباطلة ، والمراد من النسيان التشاغل والتغافل عن كفره المتقدم .
الصفة الثانية : ( قوله ) : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا ) وقد مر تفسير هذه الآية على الاستقصاء في سورة الأنعام ، والعجب أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه ) متمسك القدرية ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ) إلى آخر الآية متمسك الجبرية ، وقلما نجد في القرآن آية لأحد هذين الفريقين إلا ومعها آية للفريق الآخر ، والتجربة تكشف عن صدق قولنا ، وما ذاك إلا
nindex.php?page=treesubj&link=32410امتحان شديد من الله تعالى ألقاه على عباده ليتميز العلماء الراسخون من المقلدين ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58وربك الغفور ذو الرحمة )
nindex.php?page=treesubj&link=29694الغفور البليغ المغفرة وهو إشارة إلى دفع المضار ، ذو الرحمة الموصوف بالرحمة ، وإنما ذكر لفظ المبالغة في المغفرة لا في الرحمة ؛ لأن المغفرة ترك الإضرار ، وهو تعالى قد ترك مضار لا نهاية لها مع كونه قادرا عليها ، أما فعل الرحمة فهو متناه ؛ لأن ترك ما لا نهاية له ممكن ، أما فعل ما لا نهاية له فمحال ، ويمكن أن يقال : المراد أنه يغفر كثيرا لأنه ذو الرحمة ولا حاجة به إليها فيهبها من المحتاجين كثيرا ثم استشهد بترك مؤاخذة
أهل مكة عاجلا من غير إمهال مع إفراطهم في عداوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58بل لهم موعد ) وهو إما يوم القيامة ، وإما في الدنيا وهو يوم
بدر وسائر أيام الفتح ( وقوله ) : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58لن يجدوا من دونه موئلا ) أي منجى ولا ملجأ ، يقال : وأل إذا لجأ ، ووأل إليه إذا لجأ إليه ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59وتلك القرى ) يريد قرى الأولين من
ثمود وقوم لوط وغيرهم أشار إليها ليعتبروا ، وتلك مبتدأ ، والقرى صفة لأن أسماء الإشارة توصف بأصناف الأجناس ، وأهلكناهم خبر والمعنى ، وتلك أصحاب القرى أهلكناهم لما ظلموا مثل ظلم
أهل مكة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59وجعلنا لمهلكهم موعدا ) أي وضربنا لإهلاكهم وقتا معلوما لا يتأخرون عنه كما ضربنا
لأهل مكة يوم
بدر ، والمهلك الإهلاك أو وقته ، وقرئ : (لمهلكهم) بفتح الميم واللام مفتوحة أو مكسورة ، أي لهلاكهم أو وقت هلاكهم ، والموعد وقت أو مصدر ، والمراد : إنا عجلنا هلاكهم ، ومع ذلك لم ندع أن نضرب له وقتا ليكونوا إلى التوبة أقرب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ) .
[ ص: 121 ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ جِدَالَهُمْ بِالْبَاطِلِ وَصَفَهُمْ بَعْدَهُ بِالصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْخِزْيِ وَالْخِذْلَانِ .
الصِّفَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=30549لَا ظُلْمَ أَعْظَمُ مِنْ كُفْرِ مَنْ تَرِدُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْبَيِّنَاتُ ، فَيُعْرِضُ عَنْهَا وَيَنْسَى مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ؛ أَيْ مَعَ إِعْرَاضِهِ عَنِ التَّأَمُّلِ فِي الدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتِ يَتَنَاسَى مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الْمُنْكَرَةِ وَالْمَذَاهِبِ الْبَاطِلَةِ ، وَالْمُرَادُ مِنَ النِّسْيَانِ التَّشَاغُلُ وَالتَّغَافُلُ عَنْ كُفْرِهِ الْمُتَقَدِّمِ .
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ : ( قَوْلُهُ ) : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ) وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، وَالْعَجَبُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) مُتَمَسَّكُ الْقَدَرِيَّةِ ، وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ مُتَمَسَّكُ الْجَبْرِيَّةِ ، وَقَلَّمَا نَجِدُ فِي الْقُرْآنِ آيَةً لِأَحَدِ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا وَمَعَهَا آيَةٌ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ ، وَالتَّجْرِبَةُ تَكْشِفُ عَنْ صِدْقِ قَوْلِنَا ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا
nindex.php?page=treesubj&link=32410امْتِحَانٌ شَدِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَلْقَاهُ عَلَى عِبَادِهِ لِيَتَمَيَّزَ الْعُلَمَاءُ الرَّاسِخُونَ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ )
nindex.php?page=treesubj&link=29694الْغَفُورُ الْبَلِيغُ الْمَغْفِرَةِ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى دَفْعِ الْمَضَارِّ ، ذُو الرَّحْمَةِ الْمَوْصُوفُ بِالرَّحْمَةِ ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لَفْظُ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَغْفِرَةِ لَا فِي الرَّحْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ تَرْكُ الْإِضْرَارِ ، وَهُوَ تَعَالَى قَدْ تَرَكَ مَضَارَّ لَا نِهَايَةَ لَهَا مَعَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَيْهَا ، أَمَّا فِعْلُ الرَّحْمَةِ فَهُوَ مُتَنَاهٍ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ مُمْكِنٌ ، أَمَّا فِعْلُ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فَمُحَالٌ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ أَنَّهُ يَغْفِرُ كَثِيرًا لِأَنَّهُ ذُو الرَّحْمَةِ وَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهَا فَيَهَبُهَا مِنَ الْمُحْتَاجِينَ كَثِيرًا ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِتَرْكِ مُؤَاخَذَةِ
أَهْلِ مَكَّةَ عَاجِلًا مِنْ غَيْرِ إِمْهَالٍ مَعَ إِفْرَاطِهِمْ فِي عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ ) وَهُوَ إِمَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَإِمَّا فِي الدُّنْيَا وَهُوَ يَوْمُ
بَدْرِ وَسَائِرُ أَيَّامِ الْفَتْحِ ( وَقَوْلُهُ ) : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ) أَيْ مَنْجًى وَلَا مَلْجَأً ، يُقَالُ : وَأَلَ إِذَا لَجَأَ ، وَوَأَلَ إِلَيْهِ إِذَا لَجَأَ إِلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59وَتِلْكَ الْقُرَى ) يُرِيدُ قُرَى الْأَوَّلِينَ مِنْ
ثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَغَيْرِهِمْ أَشَارَ إِلَيْهَا لِيَعْتَبِرُوا ، وَتِلْكَ مُبْتَدَأٌ ، وَالْقُرَى صِفَةٌ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْإِشَارَةِ تُوصَفُ بِأَصْنَافِ الْأَجْنَاسِ ، وَأَهْلَكْنَاهُمْ خَبَرٌ وَالْمَعْنَى ، وَتِلْكَ أَصْحَابُ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا مِثْلَ ظُلْمِ
أَهْلِ مَكَّةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ) أَيْ وَضَرَبْنَا لِإِهْلَاكِهِمْ وَقْتًا مَعْلُومًا لَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْهُ كَمَا ضَرَبْنَا
لِأَهْلِ مَكَّةَ يَوْمَ
بَدْرٍ ، وَالْمَهْلِكُ الْإِهْلَاكُ أَوْ وَقْتُهُ ، وَقُرِئَ : (لِمَهْلَكِهِمْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامُ مَفْتُوحَةٌ أَوْ مَكْسُورَةٌ ، أَيْ لِهَلَاكِهِمْ أَوْ وَقْتَ هَلَاكِهِمْ ، وَالْمَوْعِدُ وَقْتٌ أَوْ مَصْدَرٌ ، وَالْمُرَادُ : إِنَّا عَجَّلْنَا هَلَاكَهُمْ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ نَدَعْ أَنْ نَضْرِبَ لَهُ وَقْتًا لِيَكُونُوا إِلَى التَّوْبَةِ أَقْرَبَ .