الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ولو كان الشقص في النخل فزادت كان له أخذ زائده " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما النخل فلا يخلو حال مبيعها من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن تباع مفردة عن الأرض فلا شفعة فيها فكذلك سائر الأشجار كالأبنية التي إذا أفردت بالعقد لم تجب فيها الشفعة ؛ لأنها مما ينقل عن الأرض ، والمنقول لا شفعة فيه كالزرع .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تباع النخل مع الأرض فتجب فيها الشفعة تبعا للأرض بخلاف الزرع ؛ لأنه لا يتبع الأرض في البيع ويتبعها النخل ، والفرق بينهما أن إفراد الزرع في الأرض غير مستدام ، وإفراد النخل والشجر مستدام . وأوجب أبو حنيفة الشفعة في الزرع تبعا للأرض لاتصاله بها ، وما ذكرناه من الفرق كاف .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يباع النخل مع قرارها من الأرض مفردة عما يتخللها من بياض [ ص: 270 ] الأرض ففي وجوب الشفعة فيها وجهان ، وكذلك بيع البناء مع قراره دون الأرض على هذين الوجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : فيه الشفعة ؛ لأنه فرع لأصل ثابت .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا شفعة فيه ؛ لأن قرار النخل يكون تبعا لها فلما لم تجب الشفعة فيها مفردة لم تجب فيها وفي تبعها ، فإذا تقرر هذا وكان البيع شقصا من أرض ذات نخل وشجر فزادت بعد البيع وقبل أخذ الشفيع لغيبته أو عذر لا تبطل به الشفعة لم يخل حال الزيادة من أحد أمرين : إما أن تكون مثمرة ، أو غير مثمرة ، فإن كانت الزيادة غير مثمرة كالفسيل إذا طال وامتلى ، والغرس إذا استغلظ واستوى فللشفيع أن يأخذ ذلك بزيادته ؛ لأن ما لا يتميز من الزيادة تبعا لأصله .

                                                                                                                                            وإن كانت الزيادة متميزة كالثمرة الحادثة فلا يخلو حالها عند الأخذ بالشفعة من أن تكون مؤبرة ، أو غير مؤبرة فإن كانت مؤبرة فلا حق فيها للشفيع . وهي ملك للمشتري ؛ لأن ما كان مؤبرا من الثمار لا يتبع أصله وعلى الشفيع أن يقرها على نخله إلى وقت الجذاذ ، وإن كانت الثمرة غير مؤبرة ففي استحقاق الشفيع لها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يستحقها لاتصالها كما يدخل في البيع تبعا وهذا قوله في القديم .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا يستحقها وتكون للمشتري لتميزها عن الأصل كالمؤبرة وهذا قوله في الجديد ويكون الفرق بين الشفعة والبيع ، أن البيع نقل ملك بعوض عن مراضاة ، فجاز أن يكون ما لم يؤبر من الثمار تبعا للقدرة على استبقائها بالعقد ، والشفعة استحقاق ملك بغير مراضاة فلم يملك بها إلا ما تناوله العقد . وهذا الحكم في كل ما استحق بغير مراضاة كالشفعة ، والتفليس ، أو يكون بغير عوض كالرهن ، والهبة وهل يكون ما لم يؤبر من الثمار تبعا لأصلها ؟ على ما ذكرنا من القولين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية