الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الذي يجب فيه أرش مقدر ففي كل اثنين من البدن فيهما كمال الدية في أحدهما نصف الدية من إحدى العينين واليدين والرجلين والأذنين والحاجبين إذا لم تنبت والشفتين والأنثيين والثديين والحلمتين لما روي أنه عليه الصلاة والسلام { كتب في كتاب عمرو بن حزم وفي العينين الدية وفي إحداهما نصف الدية وفي اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية } ; ولأن كل الدية عند قطع العضوين يقسم عليهما فيكون في أحدهما النصف ; لأن وجوب الكل في العضوين لتفويت كل المنفعة المقصودة من العضوين ، والفائت بقطع أحدهما النصف فيجب فيه نصف الدية ، ويستوي فيه اليمين واليسار لأن الحديث لا يوجب الفصل بينهما ، وسواء ذهب بالجناية على العين نور البصر دون الشحمة أو ذهب البصر مع الشحمة لأن المقصود من العين البصر ، والشحمة فيه تابعة .

                                                                                                                                وكذا العليا والسفلى من الشفتين سواء عند عامة الصحابة رضوان الله تعالى عنهم .

                                                                                                                                وروي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه فصل بينهما فأوجب في السفلى الثلثين وفي العليا الثلث لزيادة جمال في العليا ومنفعة في السفلى ، وبقية الصحابة سووا بينهما ، وهو قول جماعة من التابعين مثل شريح ، وإبراهيم رضي الله عنهما وغيرهما ، سواء قطع الحلمة من ثدي المرأة أو قطع الثدي وفيه الحلمة ففيه نصف الدية للحلمة ، والثدي تبع ; لأن المقصود من الثدي وهو منفعة الرضاع يفوت بفوات الحلمة ، وسواء كان ذلك بضربة أو ضربتين إذا كان قبل البرء من الأولى لأن الجناية لا تستقر قبل البرء فإذا أتبعها الثانية قبل استقرارها صار كأنه أوقعهما معا .

                                                                                                                                وفي أصابع اليدين والرجلين في كل واحدة منها عشر الدية ، وهي في ذلك سواء لا فضل لبعض على بعض ، والأصل فيه ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { في كل أصبع عشر من الإبل } من غير فصل بين أصبع وأصبع وروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال هذه وهذه سواء ، وأشار إلى الخنصر والإبهام ، وسواء قطع أصابع اليد وحدها أو قطع الكف ومعها الأصابع .

                                                                                                                                وكذلك القدم مع الأصابع لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال { في الأصابع في كل أصبع عشر من الإبل } من غير فصل بين ما إذا قطع الأصابع وحدها أو قطع الكف التي فيها الأصابع ولأن الأصابع أصل والكف تابعة لها لأن المنفعة المقصودة من اليد البطش ، وأنها تحصل بالأصابع فكان إتلافها إتلافا لليد ، وسواء قطع الأصابع أو شل من الجراحة أو يبس ففيه عقله تاما ; لأن المقصود منه يفوت ، وما كان من الأصابع فيه ثلاث مفاصل ففي كل مفصل ثلث دية الأصبع ، وما كان فيه مفصلان ففي كل واحد منهما نصف دية الإصبع ; لأن ما في الإصبع ينقسم على مفاصلها كما ينقسم ما في اليد على عدد الأصابع ، وفي إحدى أشفار العينين ربع الدية ، وفي الاثنين نصف الدية ، وفي الثلاث ثلاثة أرباع الدية إن لم ينبت ; لأن في الأشفار كلها كل الدية فتقسم الدية على عددها كما تقسم الدية على اليدين ، وإن نبت فلا شيء فيه سواء قطع الشفر وحده أو قطع معه الجفن لأن الجفن تبع للشفر كالكف والقدم للأصابع .

                                                                                                                                وكذا أهداب العينين إذا لم تنبت حكمها حكم الأشفار .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية