الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ( 101 ) )

اختلف أهل التأويل في المعني بقوله : ( فإذا نفخ في الصور ) من النفختين أيتهما عني بها ، فقال بعضهم : عني بها النفخة الأولى .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام بن سلم ، قال : ثنا عمرو بن مطرف ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، أن رجلا أتى ابن عباس فقال : سمعت الله يقول : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ) . . . الآية ، وقال في آية أخرى : ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) فقال : أما قوله : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) فذلك في النفخة الأولى ، فلا يبقى على الأرض شيء ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) وأما قوله : ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) فإنهم لما دخلوا الجنة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون .

[ ص: 72 ] حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن السدي ، في قوله : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) قال : في النفخة الأولى .

حدثنا علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) فذلك حين ينفخ في الصور ، فلا حي يبقى إلا الله ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) فذلك إذا بعثوا في النفخة الثانية .

قال أبو جعفر : فمعنى ذلك على هذا التأويل : فإذا نفخ في الصور ، فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، فلا أنساب بينهم يومئذ يتواصلون بها ، ولا يتساءلون ، ولا يتزاورون ، فيتساءلون عن أحوالهم وأنسابهم .

وقال آخرون : بل عني بذلك النفخة الثانية .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن هارون بن أبي وكيع ، قال : سمعت زاذان يقول : أتيت ابن مسعود ، وقد اجتمع الناس إليه في داره ، فلم أقدر على مجلس ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، من أجل أني رجل من العجم تحقرني؟ قال : ادن! قال : فدنوت ، فلم يكن بيني وبينه جليس ، فقال : يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة على رءوس الأولين والآخرين ، قال : وينادي مناد : ألا إن هذا فلان ابن فلان ، فمن كان له حق قبله فليأت إلى حقه ، قال : فتفرح المرأة يومئذ أن يكون لها حق على ابنها ، أو على أبيها ، أو على أخيها ، أو على زوجها ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن هارون بن عنترة ، عن زاذان ، قال : سمعت ابن مسعود يقول : يؤخذ العبد أو الأمة يوم القيامة ، فينصب على رءوس الأولين والآخرين ، ثم ينادي مناد ، ثم ذكر نحوه ، وزاد فيه : فيقول الرب تبارك وتعالى للعبد : أعط هؤلاء حقوقهم ، فيقول : أي رب ، فنيت الدنيا ، فمن أين أعطيهم؟ فيقول للملائكة : خذوا من أعماله الصالحة وأعطوا لكل إنسان بقدر طلبته ، فإن كان له فضل مثقال حبة من خردل ضاعفها الله له حتى يدخله بها الجنة ، ثم تلا ابن مسعود ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) وإن كان عبدا شقيا ، قالت الملائكة : ربنا ، فنيت حسناته وبقي طالبون كثير ، فيقول : خذوا من أعمالهم السيئة فأضيفوها إلى سيئاته ، وصكوا له صكا إلى النار .

[ ص: 73 ] قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) قال : لا يسأل أحد يومئذ بنسب شيئا ، ولا يتساءلون ، ولا يمت إليه برحم .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني محمد بن كثير ، عن حفص بن المغيرة ، عن قتادة ، قال : ليس شيء أبغض إلى الإنسان يوم القيامة من أن يرى من يعافه ، مخافة أن يذوب له عليه شيء ، ثم قرأ (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) .

قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا الحكم بن سنان ، عن سدوس صاحب السائري ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد من أهل العرش : يا أهل التظالم تداركوا مظالمكم ، وادخلوا الجنة . " .

التالي السابق


الخدمات العلمية