الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          باب القاف والنون وما يثلثهما

                                                          ( قنا ) القاف والنون والحرف المعتل أصلان يدل أحدهما على ملازمة ومخالطة ، والآخر على ارتفاع في شيء . فالأول قولهم : قاناه ، إذا خالطه ، كاللون يقاني لونا آخر غيره . وقال الأصمعي : قانيت الشيء : خلطته . قال امرؤ القيس :


                                                          كبكر المقاناة البياض بصفرة

                                                          غذاها نمير الماء غير المحلل ومن ذلك قولهم : ما يعانيني هذا ، أي ما يوافقني . ومعناه أنه ينبو عنه فلا يخالطه .

                                                          ومن الباب : قنى الشيء واقتناه ، إذا كان ذلك معدا له لا للتجارة . ومال قنيان : يتخذ قنية . ومنه : قنيت حيائي : لزمته . واشتقاقه من القنية .

                                                          قال الشاعر :


                                                          فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي     أني امرؤ سأموت إن لم أقتل

                                                          [ ص: 30 ] والقنو : العذق بما عليه ، لأنه ملازم لشجرته . ومن الباب المقناة من الظل فيمن لا يهمزها ، وهو مكان لا تصيبه الشمس . وإنما سمي بذلك لأن الظل ملازمه لا يكاد يفارقه .

                                                          ويقول أهل العلم بالقرآن : إن كهف أصحاب الكهف في مقناة من جبل .

                                                          والأصل الآخر : القنا : احديداب في الأنف . والفعل قني قنى . ويمكن أن تكون القناة من هذا ، لأنها تنصب وترفع; وألفها واو لأنها تجمع قنا وقنوات . وقناة الماء عندنا مشبهة بهذه القناة إن كانت قناة الماء عربية .

                                                          والتشبيه بها ليس من جهة ارتفاع ، ولكن هي كظائم وآبار فكأنها هذه القناة ، لأنها كعوب وأنابيب .

                                                          وإذا همز خرج عن هذا القياس ، فيقال : قنأ ، إذا اشتدت حمرته وهو قانئ . وربما همزوا مقنأة الظل ، والأول أشبه بالقياس الذي ذكرناه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية