الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " وأما الطريق التي لا تملك فلا شفعة فيها ، ولا بها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اختلف أصحابنا في مراد الشافعي بذلك فقال أبو علي بن أبي هريرة ، [ ص: 274 ] وأبو حامد الإسفراييني أراد به أبا حنيفة في الدار أن تكون على طريق نافذة فلا شفعة في حقها من الطريق من مسلك أو فناء ، وهذا إجماع ؛ لأنه غير مملوك العين وإنما هو مستحق المنفعة ، ولا شفعة بهذا الطريق فيما جاور ، أو قابل ، بخلاف قول أبي حنيفة ؛ لأنه لما لم يستحق فيه الشفعة فأولى أن لا يستحق به الشفعة ، وقال أبو إسحاق المروزي وأبو علي الطبري : أراد به مالكا في الدار يكون لنا طريق مستحق في دار أخرى من غير ملك في التربة فلا شفعة في هذا الطريق وحدها ؛ لأنها منفعة مستحقة وليست عينا مملوكة ، ولا شفعة بهذا الطريق فيما هو مستحق فيه من الأرض ، ولا لهذه الأرض شفعة فيما يستحق له بهذا الطريق ، بخلاف قول مالك فإنه جعل الشفعة بهذا الطريق واجبة لكل واحدة من الدارين في الأخرى وبه قال أبو العباس بن سريج استدلالا برواية أبي سلمة عن جابر قال : إنما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشفعة في كل مال لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة . فدل على أن ما لم تصرف فيه ففيه الشفعة ، ولأنه قد يتأذى بسوء الاستطراق كما يتأذى بسوء الاشتراك فاقتضى أن يستحق الشفعة بها كما يستحق بأحدهما وهذا خطأ ، لرواية أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها ولأن المنافع المستحقة في الأملاك لا توجب الشفعة كالإجارة .

                                                                                                                                            ولأن تميز الأملاك يمنع من استحقاق الشفعة كصرف الطرق ولأن ما لا يملك فيه الشفعة فأولى أن لا تملك به الشفعة .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم : إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة فهو أنه ليس ارتفاع الشفعة بوقوع الحدود وصرف الطرق دليلا على ثبوت الشفعة بوقوع الحدود وبقاء الطرق وإنما يحتاج إلى طلب الدلالة عليه ، وقد روي أنه قال : فإذا وقعت الحدود فلا شفعة ، فنستعمل الخبرين فنقول إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة بالخبر الأول ، وإذا وقعت الحدود ، ولم تصرف الطرق فلا شفعة بالخبر الثاني كما روي أنه قال : من مس فرجه ، أو أنثييه توضأ .

                                                                                                                                            وروي من مس فرجه توضأ ، وقد قيل : إنما ذكر صرف الطرق لئلا يقول قائل : إن الطريق المملوكة تبطل الشفعة فيها لبطلانها في المحدود عنها ، فأثبت الشفعة في الطريق مع بطلانها في الأصل ، وأما التأذي بسوء الاستطراق فليس مجرد الأذى علة في استحقاق الشفعة ما لم ينضم إليه الخوف من مئونة القسمة ، وقد مضى ذلك في غير موضع . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية