الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 412 ] فصل ( في خواص القسط البحري الهندي والزيت والزيتون ) عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { تداووا من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت } وعنه أيضا { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينعت الزيت والورس من ذات الجنب } قال قتادة يلد من جانبه الذي يشتكيه . رواهما الترمذي وقال حسن صحيح قال { وذات الجنب يعني السل } ولأحمد { بالعود الهندي والزيت } ولابن ماجه { ورسا قسطا وزيتا } .

وذات الجنب الحقيقي عند الأطباء ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع وغير الحقيقي وجع يشبهه يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات والوجع في هذا ممدود وفي الحقيقي ناخس . قال صاحب القانون قد يعرض في الجنب والصفاقات والعضل الذي في الصدور والأضلاع ونواحيها أورام موجعة تسمى شوصا وبرساما وذات الجنب وقد تكون أوجاع في هذه الأعضاء ليست من ورم ولكن من رياح غليظة فيظن أنها من هذه العلة ولا يكون .

قال : واعلم أن كل وجع في الجنب قد يسمى ذات الجنب اشتقاقا من مكان الألم لأن معنى ذات الجنب صاحبة الجنب والغرض ههنا وجع الجنب فإذا عرض في الجنب ألم عن أي سبب كان نسب إليه ، وعليه حمل كلام أبقراط في قوله إن أصحاب ذات الجنب ينتفعون بالحمام قيل المراد به كل من به وجع جنب أو وجع رثة من سوء مزاج أو من أخلاط غليظة أو لذاعة من غير ورم ولا حمى .

قال بعضهم : معنى ذات الجنب في لغة اليونان ورم الجنب الحاد أو ورم كل واحد من الأعضاء الباطنة ويلزم ذات الجنب الحقيقي والسعال والوجع الناخس وضيق النفس والنبض المتساوي والعلاج الموجود وليس هذا مراد [ ص: 413 ] الحديث بل الكائن عن الريح الغليظة فإن القسط البحري .

قال بعضهم : وهو العود الهندي إذا دق ناعما وخلط به الزيت المسخن ودلك به مكان الريح المذكور أو لعق كان دواء موافقا لذلك نافعا محللا مقويا للأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد نافع من ذات الجنب ويذهب فضل الرطوبة ، والعود المذكور جيد للدماغ .

قال ويجوز أن ينفع القسط من ذات الجنب الحقيقي إذا كان حدوثها عن مادة بلغمية لا سيما وقت انحطاط العلة ، وقد عرف بذلك بطلان قول من قال : إن الأطباء تنكر مداواة ذات الجنب بالقسط لحرارته الشديدة .

وقال بعضهم : اتفق الأطباء أنه يدر الطمث والبول وينفع من السموم ويحرك شهوة الجماع ويقتل الدود وحب القرع في الأمعاء إذا شرب بعسل ويذهب الكلف إذا طلي عليه وينفع من برد المعدة والكبد والبرد ومن حمى الدور والربع وغير ذلك وهو صنفان ، وقيل أكثر ، بحري وهو الأبيض ، وهندي .

وقال بعضهم البحري أفضل منه وأقل حرارة ، وقيل هما حاران يابسان في الدرجة الثالثة . والهندي أشد حرا وقيل القسط حار في الثانية ، وقد ذكر جالينوس أنه ينفع من ينفع من الكزاز بضم الكاف وبالزاي داء يأخذ من شدة البرد وإنه ينفع من وجع الجبين .

وأما الزيت فقد قال تعالى : { يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء } . وروى ابن ماجه ثنا الحسين بن مهدي ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا { ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة } إسناده ثقات وسأل أبو طالب لأحمد عنه ولفظه { كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة } وفيه عن زيد عن أبيه عن عمر فقال خطأ ليس فيه عمر إنما لقنوه عن عمر فقال عن عمر إنما [ ص: 414 ] هو مرسل حدثناه عبد الرزاق يعني كذلك وكذا قال ابن معين ، ورواه عبد بن حميد في مسنده عن عبد الرزاق بذكر عمر فيه . والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة مثله .

قال الأطباء الزيت حار باعتدال إلى رطوبة وقيل حار رطب وقيل يابس والمعتصر من الزيتون النضيج أعدل وأجود من الفج منه فيه برد ويبس ومن الزيتون الأحمر متوسط بين الزيتين ومن الأسود يسخن ويرطب باعتدال وينفع من السموم وينفع البطن ويخرج الدود ، والعتيق منه أشد إسخانا وتحليلا يطلى به النقرس . والمغسول من الزيت يوافق أوجاع الأعصاب والنساء ، وغسله أن يضرب مع الماء العذب المفتر مرات ويطفي زيت الإنفاق أن يعتصر من الزيتون الأخضر قال بعضهم : بالماء خير أنواعه قال بعضهم : هو أقل حرارة وألطف وأبلغ في النفع . وذكر ابن جزلة أن هذا بارد يابس وجميع الزيت ملين للبشرة ويبطئ بالشيب .

وأما الزيتون المالح يمنع من نقط حرق النار ويشد اللثة وورقه ينفع من الحمرة والنملة والقروح والبشري ويمنع العرق وينفع من الداحس ومنافعه كثيرة .

وأما الورس فعن أم سلمة قالت { كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف } رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وهو مختلف في حسنه وضعفه .

( الورس ) يجلب من اليمن قيل ينتحت من أشجاره وقيل يزرع بها ولا يكون منه شيء بريء ويزرع سنة فيبقى عشر سنين ينبت ويثمر في الأرض وهو في الحرارة واليبوسة في الدرجة الثانية قال بعضهم : في أولها . وأجوده الأحمر اللين في اليد القليل النخالة ، قابض لطيف يمنع من [ ص: 415 ] الكلف والنمش والحكة والبثور في سطح البدن والبهق والسفعة طلاء ، وإذا شرب منع الوضح وفتت الحصاة ونفع من أوجاع الكلى والمثانة الباردة وقدر ما يشرب منه درهم وقيل يضر بالمثانة ويصلحه العسل قال بعضهم : منافعه تقرب من منافع القسط البحري .

التالي السابق


الخدمات العلمية