الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ( 107 ) قال اخسئوا فيها ولا تكلمون ( 108 ) )

يقول تعالى ذكره ، مخبرا عن قيل الذين خفت موازين صالح أعمالهم يوم القيامة في جهنم : ربنا أخرجنا من النار ، فإن عدنا لما تكره منا من عمل ، فإنا ظالمون .

وقوله : ( قال اخسئوا فيها ) يقول تعالى ذكره : قال الرب لهم جل ثناؤه مجيبا ( اخسئوا فيها ) أي : اقعدوا في النار ، يقال منه : خسأت فلانا أخسؤه خسأ وخسوءا ، وخسيء هو يخسأ ، وما كان خاسئا ، ولقد خسئ ، ( ولا تكلمون ) فعند ذلك أيس المساكين من الفرج ، ولقد كانوا طامعين فيه .

كما حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، قال : ثني أبو الزعراء ، عن عبد الله ، في قصة ذكرها في الشفاعة ، قال : فإذا أراد الله ألا يخرج منها ، يعني من النار أحدا ، غير وجوههم وألوانها ، فيجيء الرجل [ ص: 78 ] من المؤمنين فيشفع فيهم ، فيقول : يا رب ، فيقول : من عرف أحدا فليخرجه ; قال : فيجيء الرجل فينظر فلا يعرف أحدا ، فيقول : يا فلان يا فلان ، فيقول : ما أعرفك . فعند ذلك يقولون : ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فيقول اخسئوا فيها ولا تكلمون ) فإذا قالوا ذلك ; انطبقت عليهم جهنم فلا يخرج منها بشر .

حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن شهر بن حوشب ، عن معدي كرب ، عن أبي الدرداء ، قال : يرسل أو يصب على أهل النار الجوع ، فيعدل ما هم فيه من العذاب ، فيستغيثون ، فيغاثون بالضريع ، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ، فلا يغني ذلك عنهم شيئا فيستغيثون ، فيغاثون بطعام ذي غصة ، فإذا أكلوه نشب في حلوقهم ، فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يحدرون الغصة بالماء ، فيستغيثون ، فيرفع إليهم الحميم في كلاليب الحديد ، فإذا انتهى إلى وجوههم شوى وجوههم ، فإذا شربوه قطع أمعاءهم ، قال : فينادون مالكا : ليقض علينا ربك ، قال : فيتركهم ألف سنة ، ثم يجيبهم : إنكم ماكثون ، قال : فينادون خزنة جهنم : ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال قال : فيقولون ما نجد أحدا خيرا لنا من ربنا ، فينادون ربهم ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ) قال : فيقول الله : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) قال : فعند ذلك يئسوا من كل خير ، فيدعون بالويل والشهيق والثبور .

حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا عاصم بن يوسف اليربوعي ، قال : ثنا قطبة بن عبد العزيز الأسدي ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن شهر بن حوشب ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يلقى على أهل النار الجوع . . " ثم ذكر نحوا منه .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن هارون بن عنترة ، عن عمرو بن مرة ، قال : يرى أهل النار في كل سبعين عاما ساق مالك ، خازن النار ، فيقولون : ( يا مالك ليقض علينا ربك ) فيجيبهم بكلمة ، ثم لا يرونه سبعين عاما فيستغيثون بالخزنة ، فيقولون لهم : ( ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ) فيجيبونهم ( أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات . . ) الآية . فيقولون : ادعوا ربكم ، فليس أحد أرحم [ ص: 79 ] من ربكم ، فيقولون : ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ) قال : فيجيبهم ، : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) فعند ذلك ييأسون من كل خير ، ويأخذون في الشهيق والويل والثبور .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) قال : بلغني أنهم ينادون مالكا فيقولون ( ليقض علينا ربك ) فيسكت عنهم قدر أربعين سنة ، ثم يقول : ( إنكم ماكثون ) قال : ثم ينادون ربهم ، فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ، ثم يقول : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) قال : فييأس القوم فلا يتكلمون بعدها كلمة ، وكان إنما هو الزفير والشهيق ، قال قتادة : صوت الكافر في النار مثل صوت الحمار ، أوله زفير ، وآخره شهيق .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا الحسن ، قال : ثنا عبد الله بن عيسى ، قال : أخبرني زياد الخراساني ، قال : أسنده إلى بعض أهل العلم ، فنسيته ، في قوله : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) قال : فيسكتون ، قال : فلا يسمع فيها حس إلا كطنين الطست .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) هذا قول الرحمن عز وجل ، حين انقطع كلامهم منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية